قوله تعالى : { إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ } . أي : هذه السورة موعظة ، { فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } أي : طريقاً موصِّلاً إلى طاعته .
وقيل : وجهة وطريقة إلى الخير والمعنى : أنّ هذه السورة لما فيها من الترتيب العجيب ، والوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب تذكرة للمتأملين وتبصرة للمتبصرين .
قال ابن الخطيب{[58978]} : متى ضمت هذه الآية إلى الآية بعدها خرج منهما صريح مذهب الجبر ، لأن قوله تعالى : { فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } الآية يقتضي أن مشيئة العبد متى كانت خالصة ، فإنها تكون مستلزمة للفعل ، وقوله تعالى بعد ذلك : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله } يقتضي كون مشيئة الله تعالى مستلزمة لمشيئة العبد ، ومستلزم المستلزم مستلزم ، فإن مشيئة الله - تعالى - مستلزمة لفعل العبد ، وذلك هو الجبر ، وكذا الاستدلال على الجبر بقوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] ، لأن هذه الآية أيضاً تقتضي كون المشيئة مستلزمة للفعل ، ثم التقدير ما تقدم .
قال القاضي : المذكور هاهنا اتخاذ السبيل إلى الله - تعالى - وهو أمر قد شاءه ؛ لأنه أمر به فلا بد وأن يكون قد شاءه ، وهذا لا يقضي أن يقال : العبد لا يشاء إلاَّ ما قد شاء الله على الإطلاق إذ المراد بذلك الأمر المخصوص الذي قد ثبت أن الله تعالى أراده وشاءه . وهذا الكلام لا تعلق له بالاستدلال الذي ذكرناه ، فحاصل ما ذكره القاضي تخصيص العام بالصُّور المتقدمة ، وذلك ضعيف لأن خصوص ما قبل الآية لا يقتضي تخصيص هذا العام لاحتمال أن يكون الحكم في هذه الآية وارداً بحيث تعمّ تلك الصورة وغيرها .
قوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله } فيه وجهان :
أحدهما : أنه حال ، أي إلاَّ في حال مشيئة الله تعالى . قاله أبو البقاء .
وفيه نظر : لأن هذا مقدر بالمعرفة إلا أن يريد تفسير المعنى .
قال الزمخشري : «فإن قلت : ما محل أن يشاء الله ؟ .
قلت : النصب على الظرف ، وأصله : إلا وقت مشيئة الله تعالى ، وكذلك قرأ ابن مسعود{[58979]} : إلا ما يشاء الله ، لأن «ما » مع الفعل ك «إن » معه » .
وردّ أبو حيان{[58980]} : بأنه لا يقوم مقام الظرف إلاَّ المصدر الصريح ، لو قلت : أجيئك أن يصيح الديك ، أو ما يصيح ، لم يجز . قال شهاب الدين{[58981]} : قد تقدم الكلام في ذلك مراراً .
وقرأ نافع والكوفيون : «تشاءون » خطاباً لسائر الخلق ، أو على الالتفات من الغيبة في قوله تعالى : { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ } ، والباقون{[58982]} : بالغيبة جرياً على قوله : «خلقناهم » وما بعده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.