معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

قوله تعالى : { فاتخذتموهم سخرياً } قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي : ( سخرياً ) بضم السين هاهنا وفي سورة ص ، وقرأ الباقون بكسرهما ، واتفقوا على الضم في سورة الزخرف . قال الخليل : هما لغتان مثل قولهم : " بحر لجي " ، ولجي : بضم اللام وكسرها ، وكوكب دري ودري ، قال الفراء و الكسائي : الكسر بمعنى الاستهزاء بالقول ، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل ، واتفقوا في سورة الزخرف بأنه بمعنى التسخير ، { حتى أنسوكم } أي : أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم وتسخيرهم { ذكري وكنتم منهم تضحكون } نظيره : { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } قال مقاتل : نزلت في بلال وعمار وخباب وصهيب وسلمان والفقراء من الصحابة ، كان كفار قريش يستهزؤون بهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

فهؤلاء سادات الناس وفضلائهم ، { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ } أيها الكفرة الأنذال ناقصو العقول والأحلام { سِخْرِيًّا } تهزءون بهم وتحتقرونهم ، حتى اشتغلتم بذلك السفه . { حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ } وهذا الذي أوجب لهم نسيان الذكر ، اشتغالهم بالاستهزاء بهم ، كما أن نسيانهم للذكر ، يحثهم على الاستهزاء ، فكل من الأمرين يمد الآخر ، فهل فوق هذه الجراءة جراءة ؟ !

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

وقوله - سبحانه - : { فاتخذتموهم سِخْرِيّاً . . . } هو محط التعليل ، أى : فكان حالكم معهم أنكم سخرتم واستهزأتم بهم .

{ حتى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } أى : فاتخذتموهم سخريا ، وداومتم على ذلك ، وشغلكم هذا الاستهزاء . حتى أنسوكم - لكثرة انهماككم فى السخرية بهم - تذكر عقابى لكم فى هذا اليوم ، { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } فى الدنيا ، وتتغامزون عندما ترونهم استخفافا بهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

99

( إنه كان فريق من عبادي يقولون : ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين . فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري ، وكنتم منهم تضحكون ) . .

وكذلك لم يكن جرمكم أنكم كفرتم فحسب ، واقتصرتم على أنفسكم بالكفر وهو جرم عظيم ؛ إنما بلغ بكم السفه والتوقح أن تسخروا ممن آمنوا ، وراحوا يرجون غفران ربهم ورحمته ؛ وأن تضحكوا منهم حتى ليشغلكم هذا الهذر عن ذكر الله ، ويباعد بينكم وبين التدبر والتفكر في دلائل الإيمان المبثوثة في صفحات الوجود . . فانظروا اليوم أين مكانكم ومكان أولئك الذين كنتم تسخرون منهم وتضحكون :

إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

ثم قال تعالى مذكرًا لهم بذنوبهم في الدنيا ، وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه ، فقال : { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا } أي : فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إليّ ، { حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي } أي : حملكم بغضهم على أن نَسِيتم معاملتي { وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ } أي : من صنيعهم وعبادتهم ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } [ المطففين : 29 ، 30 ] أي : يلمزونهم استهزاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

السخري بضم السين في قراءة نافع والكسائي وأبي جعفر وخلف ، وبكسر السين في قراءة الباقين ، وهما وجهان ومعناهما واحد عند المحققين من أيمة اللغة لا فرق بينهما خلافاً لأبي عبيدة والكسائي والفراء الذين جعلوا المكسور مأخوذاً من سخر بمعنى هزأ ، والمضموم مأخوذاً من السخرة بضم السين وهي الاستخدام بلا أجر . فلما قصد منه المبالغة في حصول المصدر أدخلت ياء النسبة كما يقال : الخصوصية لمصدر الخصوص .

وسلط الاتخاذ على المصدر للمبالغة كما يوصف بالمصدر . والمعنى : اتخذتموهم مسخوراً بهم ، فنصب سخرياً } على أنه مفعول ثان ل { اتخذتموهم } .

و { حتى } ابتدائية ومعنى ( حتى ) الابتدائية معنى فاء السببية فهي استعارة تبعية . شبه التسبب القوي بالغاية فاستعملت فيه ( حتى ) . والمعنى : أنكم لهوتم عن التأمل فيما جاء به القرآن من الذكر ، لأنهم سخروا منهم لأجل أنهم مسلمون فقد سخروا من الدين الذي كان اتباعهم إياه سبب السخرية بهم فكيف يرجى من هؤلاء التذكر بذلك الذكر وهو من دواعي السخرية بأهله . وتقدم الكلام على فعل ( سخر ) عند قوله : { فحاق بالذين سخروا منهم } في سورة الأنعام ( 10 ) وقوله : { يسخرون منهم } في سورة براءة ( 79 ) .

فإسناد الإنساء إلى الفريق مجاز عقلي لأنهم سببه ، أو هو مجاز بالحذف بتقدير : حتى أنساكم السخري بهم ذكري . والقرينة على الأول معنوية وعلى الثاني لفظية .