البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

وقرأ حمزة والكسائي ونافع { سِخْرِيّاً } بضم السين وباقي السبعة بالكسر .

قال الزمخشري : مصدر سخر كالسخر إلاّ أن في ياء النسب زيادة قوة في الفعل ، كما قيل : الخصوصية في الخصوص وهما بمعنى الهزء في قول الخليل وأبي زيد الأنصاري وسيبويه .

وقال أبو عبيدة والكسائي والفراء : ضم السين من السخرة والاستخدام والكسر من السخر وهو الاستهزاء .

ومنه قول الأعشى :

إني أتاني حديث لا أسرّ به *** من علو لا كذب فيه ولا سخر

وقال يونس : إذا أريد التخديم فضم السين لا غير ، وإذا أريد الهزء فالضم والكسر .

قال ابن عطية .

وقرأ أصحاب عبد الله وابن أبي إسحاق والأعرج بضم السين كل ما في القرآن .

وقرأ الحسن وأبو عمرو بالكسر إلاّ التي في الزخرف فإنهما ضما السين كما فعل الناس انتهى .

وكان قد قال عن أبي عليّ يعني الفارسي أن قراءة كسر السين أوجه لأنه بمعنى الاستهزاء ، والكسر فيه أكثر وهو أليق بالآية ألا ترى قوله { وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } انتهى قول أبي عليّ ثم قال ابن عطية : ألا ترى إلى إجماع القراء على ضم السين في قوله { لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } لما تخلص الأمر للتخديم انتهى .

وليس ما ذكره من إجماع القراء على ضم السين في الزخرف صحيحاً لأن ابن محيصن وابن مسلم كسرا في الزخرف ، ذكر ذلك أبو القاسم بن جبارة الهذلي في كتاب الكامل .

{ فاتخذتموهم سِخْرِيّاً } أي هزأة تهزؤون منهم { حتى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى } أي بتشاغلكم بهم فتركتم ذكري أي أن تذكروني فتخافوني في أوليائي ، وأسند النسيان إلى فريق المؤمنين من حيث كان سببه .