اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

قوله : «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرياً » قرأ الأخوان ونافع هنا وفي ص{[33464]} بكسر السين . والباقون : بضمها في المَوْضعين {[33465]} .

و ( سِخْريًّا ) مفعول ثان للاتخاذ{[33466]} . واختلف في معناها فقال الخليل{[33467]} وسيبويه{[33468]} والكسائي{[33469]} وأبو زيد{[33470]} : هما بمعنى واحد{[33471]} نحو دُريّ{[33472]} ودِريّ ، وبَحْر لُجِّي ولِجِّي بضم اللام وكسرها . وقال يونس : إن أريد الخدمة والسخرة فالضم لا غير ، وإن أريد الهزء فالضم والكسر{[33473]} ورَجّح أبو عليّ{[33474]} وتَبعه مكي{[33475]} قراءة الكسر ، قالا{[33476]} : لأنّ ما بعدها أَلْيَق لها لقوله : { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } . ولا حجة فيه ، لأنّهم جمعوا بين الأمرين سَخروهم في العمل ، وسَخِرُوا منهم استهزاءً . والسُّخْرَة بالتاء الاستخدام{[33477]} وسُخْرِيًّا بالضم منها ، والسُّخْر بدونها الهُزء والمكسور منه ، قال الأعشى :

إِنِّي أَتَانِي حَدِيثٌ لاَ أُسَرُّ بِهِ *** مِنْ علْو{[33478]} لاَ كذبٌ فِيهِ ولاَ سَخَرُ{[33479]}

ولم يختلف السبعة في ضم ما في الزخرف{[33480]} ، لأنّ المراد الاستخدام ، وهو يُقوِّي قول من فرّق بينهما ، إلاَّ أنَّ ابن محيصن وابن مسلم{[33481]} وأصحاب عبد الله كَسَرُوه أيضاً{[33482]} ، وهي مُقَوية لقول من جعلهما بمعنى والياء في سُخْريًّا وسِخْريًّا للنسب زيدت للدلالة على قوة الفعل ، فالسُّخْريّ أقوى من السُّخْر ، كما قيل{[33483]} في الخصوص خُصُوصيّة دلالة على قوة ذلك . قال معناه الزمخشري{[33484]} .

فصل

اعلم أنّه تعالى قرعهم بأمر يتصل بالمؤمنين قال مقاتل{[33485]} : إن رؤوس قريش مثل أبي جهل ، وعقبة وأبيّ بن خلف ، كانوا يستهزؤون بأصحاب محمدٍ ، ويضحكون بالفقراء منهم ، كبلال ، وخباب ، وعمّار ، وصهيب ، والمَعْنى : اتخذتموهم هزواً «حَتَّى أَنْسَوْكُمْ » بتشاغلكم بهم على تلك الصفة { ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ }{[33486]} ونظيره : { إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ }{[33487]} [ المطففين : 29 ]


[33464]:وهو قوله تعالى: {أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار} [ص: 63].
[33465]:السبعة (448)، الحجة لابن خالويه (258)، الكشف 2/131، النشر 2/329 الإتحاف (321).
[33466]:انظر التبيان 2/961.
[33467]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/24، إعراب القرآن للنحاس 3/124 حجة أبي زرعة (492)، البحر المحيط 6/423.
[33468]:المراجع السابقة.
[33469]:قال الفراء: (قال الكسائي: سمعت العرب تقول: بحر لجي ولجي، ودري ودري منسوب إلى الدر، والكرسي والكرسي، وهو كثير. وهو في مذهبه بمنزلة قولهم العصي والعصي، والأسوة والإسوة) معاني القرآن 2/243، وقال النحاس: (قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد كما يقال: عصي وعصي) إعراب القرآن 3/124.
[33470]:لم أجده في النوادر، وهو في البحر المحيط 6/423.
[33471]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/114، البيان 2/189، التبيان 1/9611، البحر المحيط 6/423.
[33472]:في ب: ودري.
[33473]:انظر تفسير ابن عطية 10/407، البحر المحيط 6/423.
[33474]:المرجعان السابقان.
[33475]:قال مكي: (والكسر الاختيار: لصحة معناه، ولشبهه بما بعده، ولأن الأكثر عليه) الكشف 2/131.
[33476]:في ب: قال.
[33477]:السخرة: ما تسخرت من دابة أو خادم بلا أجر ولا ثمن، ويقال: سخرته بمعنى سخرته، أي: قهرته وذللته. اللسان (سخر).
[33478]:في ب: علوي.
[33479]:البيت من بحر البسيط، قاله أعشى باهلة، وهو مطلع قصيدته التي رثى بها أخاه المنشر بن وهب الباهلي وروي: إني أتتني لسان لا أسر بها *** من علو لا عجب منها ولا سخر وهو في النوادر (73) ابن يعيش 4/90، اللسان (سخر، علا، لسن) الخزانة 1/191، 6/511. من علو: أي أتاني خبر من أعلى. واستشهد به على أن السخر والسخر، بمعنى الهزء، والبيت يروى بضم السين وسكون الخاء، ويروى بفتحها.
[33480]:وهو قوله تعالى: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} [الزخرف: 32]. السبعة (448)، الحجة لابن خالويه (259)، الكشف 2/131، النشر 2/329، الإتحاف 321.
[33481]:لعله عبد الله بن مسلم بن جندب الهلالي المدني، أخذ عن أبيه، وعنه ابن أبي فديك، قال أبو زرعة: لا بأس به. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (214).
[33482]:المختصر (135)، البحر المحيط 6/423.
[33483]:قيل: سقط من الأصل.
[33484]:قال الزمخشري: (السخري بالضم والكسر مصدر سخر كالسخر إلا أن في ياء النسب زيادة قوة في الفعل كما قيل الخصوصية في الخصوص) الكشاف 3/57.
[33485]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/126.
[33486]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/126.
[33487]:[المطففين: 29].