قوله تعالى : { فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليهم فأقبلت امرأته في صرة } أي : صيحة ، قيل : لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني أخذ بمعنى أخذ في شتمي ، أي أخذت تولول كما قال الله تعالى : { قالت يا ويلتى }( هود-72 ) ، { فصكت وجهها } قال ابن عباس : لطمت وجهها . وقال الآخرون : جمعت أصابعها فضرت جبينها تعجباً ، كعادة النساء إذا أنكرن شيئاً ، وأصل الصك : ضرب الشيء بالشيء العريض . { وقالت عجوز عقيم } مجازه : أتلد عجوز عقيم ؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك .
فلما سمعت المرأة البشارة { أقبلت } فرحة مستبشرة { فِي صَرَّةٍ } أي : صيحة { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } وهذا من جنس ما يجري من لنساء عند السرور [ ونحوه ] من الأقوال والأفعال المخالفة للطبيعة والعادة ، { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي : أنى لي الولد ، وأنا عجوز ، قد بلغت من السن ، ما لا تلد معه النساء ، ومع ذلك ، فأنا عقيم ، غير صالح رحمي للولادة أصلاً ، فثم مانعان ، كل منهما مانع من الولد ، وقد ذكرت المانع الثالث في سورة هود بقولها : { وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }
ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما كان من امرأته بعد أن سمعت بهذه البشرى فقال : { فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } .
أى : فأقبلت امرأة إبراهيم - عليه السلام - وهى تصيح فى تعجب واستغراب من هذه البشرى . فضربت بيدها على وجهها وقالت : أنا عجوز عقيم فكيف ألد ؟
والصرة : من الصرير وهو الصوت ، ومنه صرير الباب ، أى : صوته ، والصك الضرب الشديد على الوجه ، وعادة ما تفعله النساء إذا تعجبن من شىء .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى سورة هود : { قَالَتْ ياويلتى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } وهنا رد عليها الملائكة بما يزيل تعجبها واستغرابها واستبعادها لأن يكون لها ولد مع كبر سنها ،
( فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها . وقالت : عجوز عقيم ) . . وقد سمعت البشرى ، فبغتت وفوجئت ، فندت منها صيحة الدهش ، وعلى عادة النساء ضربت خديها بكفيها . وقالت : عجوز عقيم . تنبئ عن دهشتها لهذه البشرى وهي عجوز . وقد كانت من الأصل عقيما . وقد أخذتها المفاجأة العنيفة التي لم تكن تتوقعها أبدا ، فنسيت أن البشرى تحملها الملائكة ! عندئذ ردها المرسلون إلى الحقيقة الأولى . حقيقة القدرة التي لا يقيدها
وقوله : { فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } أي : في صرخة عظيمة {[27440]} ورنة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، والضحاك ، وزيد بن أسلم والثوري والسدي وهي قولها : { يَا وَيْلَتَا } { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } {[27441]} أي : ضربت بيدها على جبينها ، قاله مجاهد وابن{[27442]} سابط .
وقال ابن عباس : لطمت ، أي تعجبا كما تتعجب{[27443]} النساء من الأمر الغريب ، { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي : كيف ألد وأنا عجوز [ عقيم ] {[27444]} ، وقد كنتُ في حال الصبا عقيما لا أحبل ؟ .
{ فأقبلت امرأته } سارة إلى بيتها وكانت في زاوية تنظر إليهم . { في صرة } في صيحة من الصرير ، ومحله النصب على الحال أو المفعول إن أول فأقبلت بأخذت . { فصكت وجهها } فلطمت بأطراف الأصابع جبهتها فعل المتعجب . وقيل وجدت حرارة دم الحيض فلطمت وجهها من الحياء . { وقالت عجوز عقيم } أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد .
وقوله تعالى : { فأقبلت امرأته } يحتمل أن يكون قربت إليهم من ناحية من نواحي المنزل ، ويحتمل أن يكون هذا الإقبال كما تقول : أقبل فلان يشتمني ، أو يفعل كذا إذا جد في ذلك وتلبس به ، والصرة : الصيحة ، كذا فسره ابن عباس ومجاهد وسفيان والضحاك ، والمضطر الذي يصيح وقال قتادة معناه : في رقة . وقال الطبري قال بعضهم : أوه{[10606]} ، بصياح وتعجب . قال النحاس : وقيل : { في صرة } في جماعة نسوة يتبادرن نظراً إلى الملائكة .
وقوله : { فصكت وجهها } ، معناه : ضربت وجهها ، قال ابن عباس : لطمت ، وهذا مما يفعله الذي يرد عليه أمر يستهوله . وقال سفيان والسدي ومجاهد معناه : ضربت بكفها جبهتها وهذا مستعمل في الناس حتى الآن . وقولها : { عجوز عقيم } ، إما أن يكون تقديره : أنا { عجوز عقيم } فكيف ألد ؟ وإما أن يكون التقدير : { عجوز عقيم } تكون منها ولادة ، وقدره الطبري : أتلد { عجوز عقيم } . ويروى أنها كانت لم تلد قط . والعقيم من النساء التي لا تلد ، ومن الرياح التي لا تلقح شجراً ، فهي لا بركة فيها .
كان النساء يحضرن مجالس الرجال في بيوتَهن مع أزواجهن ويواكلنهم . وفي « الموطأ » : قال مَالك : لا بأس أن تحضر المرأة مع زوجها وضيفِه وتأكل معهم .
والصَّرة : الصياح ، ومنه اشتق الصرير . و { في } للظرفية المجازية وهي الملابسة .
والصك : اللطم ، وصَكّ الوجه عند التعجب عادة النساء أيامئذٍ ، ونظيره وضع اليد على الفم في قوله تعالى : { فردُّوا أيديهم في أفواههم } [ إبراهيم : 9 ] .
وقولُها { عجوز عقيم } خبر محذوف ، أي أنا عجوز عقيم .
والعجوز : فعول بمعنى فاعل وهو يستوي في المذكر والمؤنث مشتق من العجز ويطلق على كبر السنّ لملازمة العجز له غالباً .
والعقيم : فعيل بمعنى مفعول ، وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا جرى على موصوف مؤنث ، مشتق من عَقمها الله ، إذا خلقها لا تحمل بجنين ، وكانت سارة لم تحمل قط .