اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَقۡبَلَتِ ٱمۡرَأَتُهُۥ فِي صَرَّةٖ فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا وَقَالَتۡ عَجُوزٌ عَقِيمٞ} (29)

قوله تعالى : { فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ } قيل{[52858]} : لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يَشْتُمُنِي بمعنى أخذ في شَتْمِي ، أي أخذت تُوَلْوِلُ ، لقوله : { قَالَتْ يا ويلتى } [ هود : 72 ] ، وذلك أنها كانت مع زوجها في خدمتهم ، فلما تكلموا مع زوجها بولادتها استحت وأعرضت عنهم ، فذكر الله تعالى ذلك بلفظ الإقبال على الأهل ، ولم يقل بلفظ الإدبار عن الملائكة{[52859]} .

قوله : «فِي صَرَّةٍ » يجوز أن يكون حالاً من الفاعل أي كائنةً في صَرَّة{[52860]} . والصَّرة قيل : الصيحة ، قال امرؤ القيس :

فَأَلْحَقْنَا بِالْهَادِيَاتِ وَدُونَهُ *** جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تَزَيَّلِ{[52861]}

قال الزمخشري : من صَرَّ الجُنْدُبُ والبابُ والقلمُ{[52862]} ، أي فصاحت كما جرت عادة النساء إذا سمعن شيئاً من أحوالهن يَصِحْنَ صيحةً معتادة لهن عند الاستحياء أو التعجب .

ويحتمل أن يقال : تلك الصيحة كانت بقولها : يَا وَيْلَتَا ، ومحلّها النصب على الحال أي فجاءت صارةً .

ويجوز أن يتعلق ب «أَقْبَلَتْ » أي أقبلت في جماعة نسوةٍ{[52863]} كُنَّ معها ، والصَّرة الجماعة من النساء .

قوله : «فَصَكَّتْ وَجْهَهَا » قال ابن عباس - ( رضي{[52864]} الله عنهما ) - : فلطمت{[52865]} وَجْهَهَا . واختلف في صفته فقيل : هو الضرب باليد مبسوطةً . وقيل : بل ضرب الوجه بأطرافِ الأصابع فعل المتعجِّب ، وهو عادة النساء إذا أنكرنَ شيئاً . وأصل الصكّ ضرب الشيء بالشيء العَريض{[52866]} .

قوله : «عَجُوزٌ » خبر مبتدأ مضمر أي أنا عجوزٌ عقيمٌ فكيف ألد ؟ وتفسرها الآية الأخرى ، فاستبعدت ذلك ظنًّا منها أن ذلك منهم على سبيل الدعاء ، فكأنها قالت : يا ليتكم دعوتم دعاء قريباً من الإجابة .


[52858]:ذكره البغوي دون ما تحديد لواحد معين. انظر: البغوي 6/245.
[52859]:نقل تلك العلة الإمام الفخر الرازي في تفسيره 28/214.
[52860]:وهو قول أبي البقاء في التبيان 1181.
[52861]:من الطويل له وروي في القرطبي فألحقه. والهاديات: أوائل بقر الوحش، وجوارحها: متخلفاتها، ولم تُزيّل: لم تتفرق. والمعنى لما لحق هذا الفرس أوائل بقر الوحش بقيت أواخرها لم تتفرق. والشاهد: صرّة ومعناها صيحة وجماعة. والبيت في معلقته، وقد تقدم.
[52862]:يصِرّ صريراً إذا امتد وكل صوت شبه ذلك. انظر: اللسان السابق وانظر الكشاف 4/18.
[52863]:قاله بالوجه السابق الكشاف السابق.
[52864]:زيادة من أ.
[52865]:قاله ابن قتيبة في الغريب 421.
[52866]:اللسان: "صكك" 2474.