ولم يطل انتظار شعيب - عليه السلام - ومراقبته لما يحدث لقومه ، بل جاء عقاب الله - تعالى - لهم بسرعة وحسم ، بعد أن لجوا فى طغيانهم ، وقد حكى - سبحانه - ذلك فقال :
{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا . . }
أى : وحين جاء أمرنا بعذابهم ، وحل أوان هذا العذاب ، نجينا نبينا شعيبا ونجينا الذين آمنوا به وصدقوه ، حالة كونهم مصحوبين برحمة عظيمة كائنة منا لا من غيرنا .
{ وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ } من قومه { الصَّيْحَةُ } التى زلزلتهم وأهلكتهم { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ } التى كانوا يسكنونها .
{ جَاثِمِينَ } أى : هامدين ميتين لا تحس لهم حركة ، ولا تسمع لهم ركزا . .
من الجثوم وهو للناس والطير بمنزلة البروك للإِبل ، يقال ، جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم إذا وقع على صدره ولزم مكانه فلم يبرحه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا شُعَيْباً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَأَخَذَتِ الّذِينَ ظَلَمُواْ الصّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ولما جاء قضاؤنا في قوم شعيب بعذابنا ، { نجينا شعيبا } ، رسولنا والذين آمنوا به فصدّقوه على ما جاءهم به من عند ربهم مع شعيب ، من عذابنا الذي بعثنا على قومه ، { برحمة منا } له ولمن آمن به واتبعه على ما جاءهم به من عند ربهم ، { وأخذت الذين ظلموا الصيحة } من السماء ، أخمدتهم فأهلكتهم بكفرهم بربهم . وقيل : إن جبريل عليه السلام ، صاح بهم صيحة أخرجت أرواحهم من أجسامهم . { فَأصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ } على ركبهم وصَرْعَى بأفنيتهم .
وقوله تعالى : { ولما جاء أمرنا } الآية ، «الأمر » ها هنا يصح أن يكون مصدر أمر ويصح أن يكون واحد الأمور . وقوله : { برحمة منا } إما أن يقصد الإخبار عن الرحمة التي لحقت شعيباً لنبوته وحسن عمله وعمل متبعيه ، وإما أن يقصد أن النتيجة لم تكن إلا بمجرد رحمة لا بعمل من أعمالهم ، وأما { الصيحة } فهي صيحة جبريل عليه السلام ، وروي أنه صاح بهم ، صيحة جثم لها كل واحد منهم في مكانه حيث سمعها ميتاً قد تقطعت حجب قلبه ، و «الجثوم » أصله في الطائر إذا ضرب بصدره إلى الأرض ، ثم يستعمل في غيره إذا كان منه بشبه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ولما جاء قضاؤنا في قوم شعيب بعذابنا، {نجينا شعيبا}، رسولنا والذين آمنوا به فصدّقوه على ما جاءهم به من عند ربهم مع شعيب، من عذابنا الذي بعثنا على قومه، {برحمة منا} له ولمن آمن به واتبعه على ما جاءهم به من عند ربهم، {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} من السماء، أخمدتهم فأهلكتهم بكفرهم بربهم. وقيل: إن جبريل عليه السلام، صاح بهم صيحة أخرجت أرواحهم من أجسامهم. {فَأصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ} على ركبهم وصَرْعَى بأفنيتهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
(وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وقال بعضهم: الصيحة اسم كل عذاب، وكذلك الرجفة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
الجاثم: اللازم لمكانه لا يريم، كاللابد، يعني أن جبريل صاح بهم صيحة فزهق روح كل واحد منهم بحيث هو صعقا...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... وقوله: {برحمة منا} إما أن يقصد الإخبار عن الرحمة التي لحقت شعيباً لنبوته وحسن عمله وعمل متبعيه، وإما أن يقصد أن النتيجة لم تكن إلا بمجرد رحمة لا بعمل من أعمالهم، وأما {الصيحة} فهي صيحة جبريل عليه السلام، وروي أنه صاح بهم، صيحة جثم لها كل واحد منهم في مكانه حيث سمعها ميتاً قد تقطعت حجب قلبه، و «الجثوم» أصله في الطائر إذا ضرب بصدره إلى الأرض، ثم يستعمل في غيره إذا كان منه بشبه...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وذكر هاهنا أنه أتتهم صيحة، وفي الأعراف رجفة، وفي الشعراء عذاب يوم الظلة، وهم أمة واحدة، اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقَمُ كلها. وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه، ففي الأعراف لما قالوا: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} [الأعراف: 88]، ناسب أن يذكر هناك الرجفة، فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها، وأرادوا إخراج نبيهم منها، وهاهنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ناسب ذكر الصيحة التي أسكتتهم وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 189]، قال {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 189]، وهذا من الأسرار الغريبة الدقيقة، ولله الحمد والمنة كثيرًا دائمًا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان كأنه قيل: فأخذوا الكلام على ظاهره ولم ينتفعوا بصادع وعيده وباهره، فاستمروا على ما هم عليه من القبيح إلى أن جاء أمرنا في الأجل المضروب له، قال عاطفاً عليه، وكان العطف بالواو لأنه لم يتقدم وعيد بوقت معين -كما في قصتي صالح ولوط عليهما السلام- يتسبب عنه المجيء ويتعقبه: {ولما جاء أمرنا} أي تعلق إرادتنا بالعذاب {نجينا} بما لنا من العظمة {شعيباً} أي تنجية عظيمة {والذين آمنوا} كائنين {معه} منهم ومما عذبناهم به، وكان إنجاءنا لهم {برحمة منا} ولما ذكر نجاة المؤمنين، أتبعه هلاك الكافرين فقال: {وأخذت الذين ظلموا} أي أوقعوا الظلم ولم يتوبوا {الصيحة} وكأنها كانت دون صيحة ثمود لأنهم كانوا أضعف منهم فلذلك أبرز علامة التأنيث في هذه دون تلك. ولما ذكر الصيحة ذكر ما تسبب عنها فقال: {فأصبحوا} أي في الوقت الذي يتوقع الإنسان فيه السرور وكل خير {في ديارهم جاثمين} أي ساقطين لازمين لمكانهم...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
ثم انتهت قصة شعيب مع كفار أهل مدين بعذابهم وعقابهم، واستئصالهم وإبادتهم، ونجاة شعيب والذين آمنوا معه، كما ينتهي كل صراع بين الخير والشر، والحق والباطل، باندحار الشر والباطل، وانتصار الخير والحق، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا: {ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا، وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها} أي كأن لم يعيشوا فيها من قبل {ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود}...