اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (94)

قوله تعالى : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } الآية .

قال الزمخشريُّ : فإن قتل : ما بالُ ساقتي قصة عاد وقصة مدين جاءتا بالواو ، والسَّاقتان الوسطيان بالفاءِ ؟ قلت : قد وقعت الوسطيان بعد ذكر الوعدِ ، وذلك قوله : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح } [ هود : 81 ] ، { ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] فجاء بالفاء التي للتسبُّب كما تقولُ : " وعدته فلما جاء المعيادُ كان كَيْتَ وكَيْتَ " ، وأمَّا الأخريان فلم تقعا بتلك المنزلة ، وإنَّما وقعتا مبتدأتين فكان حقُّهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما ، كما تُعطفُ قصةٌ على قصَّةٍ " .

قوله : { نَجَّيْنَا شُعَيْباً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } .

روى الكلبي عن ابن عبَّاس قال : لَمْ يُعذب الله أمتين بعذاب واحدٍ إلاَّ قوم شعيب وقوم مصالح ، فأمَّا قوم صالح ؛ فأخذتم الصحيةُ من تحتهم ، وقوم شعيبٍ أخذتهم من فوقهم{[18964]} .

وقوله : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } يحتملُ أن يكون المرادُ منه ، ولما جاء وقت أمرنا ملكاً من الملائكة بتلك الصَّيْحة ، ويحتمل أن يكون المرادُ من الأمر العذاب ، وعلى التقديرين فأخبر الله أنّه نجَّى شُعَيْباً ومن معه من المؤمنين .

وفي قوله : { بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } وجهان :

الأول : أنَّه تعالى إنَّما خلَّصه من ذلك العذاب لمحض رحمته ، تنبيهاً على أنَّ كلَّ ما يصل إلى العبد ليس إلاَّ بفضلِ الله ورحمته .

والثاني : أنَّ المراد من الرَّحمةِ الإيمان والطَّاعة وهي أيضاً وهي أيضاً ما حصلت إلاَّ بتوفيق الله .

ثم قال : { وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ } وعرَّف " الصَّيحة " بالألف واللاَّم إشارة إلى المعهود السَّابق وهي صيحةُ جبريل { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } تقدم الكلام على ذلك [ هود : 67 ، 68 ] وإنَّما ذكر هذه اللفظة ، وقاس حالهم على ثمود ؛ لأنه تعالى عذَّبهم بمثل عذاب ثمود .


[18964]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (6219) عن ابن عباس.