( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية . وما أدراك ما هيه ? نار حامية ! ) .
وثقل الموازين وخفتها تفيدنا : قيما لها عند الله اعتبار ، وقيما ليس لها عنده اعتبار . وهذا ما يلقيه التعبير بجملته ، وهذا - والله أعلم - ما يريده الله بكلماته . فالدخول في جدل عقلي ولفظي حول هذه التعبيرات هو جفاء للحس القرآني ، وعبث ينشئه الفراغ من الاهتمام الحقيقي بالقرآن والإسلام !
وقوله : { فَأمّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } يقول : فأما من ثقُلَت موازين حسناته ، يعني بالموازين : الوزن ، والعرب تقول : لك عندي درهم بميزان درهمك ، ووزن درهمك ، ويقولون : داري بميزان دارك ، ووزن دارك ، يراد : حذاء دارك . قال الشاعر :
قدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقائكُمْ ذَا مِرّةٍ *** عِنْدِي لِكُلَ مخاصِمٍ مِيزَانُه
يعني بقوله : «لكلّ مخاصم ميزانه » : كلامه ، وما ينقض عليه حجته . وكان مجاهد يقول : ليس ميزان ، إنما هو مثل ضرب .
حدثنا بذلك أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .
و «الموازين » : هي التي في القيامة ، فقال جمهور العلماء والفقهاء والمحدثين : ميزان القيامة بعمود ، ليبين الله أمر العباد بما عهدوه وتيقنوه . وقال مجاهد : ليس تم ميزان ؛ إنما هو العدل ، مثل ذكره بالميزان ؛ إذ هو أعدل ما يدري الناس ، وجمعت الموازين للإنسان لما كانت له موزونات كثيرة متغايرة ، وثقل هذا الميزان هو بالإيمان والأعمال ، وخفته بعدمها وقلتها ، ولن يخف خفة موبقة ميزان مؤمن .
تفصيل لما في قوله : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } [ القارعة : 4 ] من إجمال حال الناس حينئذ ، فذلك هو المقصود بذكر اسم الناس الشامل لأهل السعادة وأهل الشقاء فلذلك كان تفصيله بحالين : حال حَسَن وحال فظيع .
وثقل الموازين كناية عن كونه بمحل الرضى من الله تعالى لكثرة حسناته ، لأن ثقل الميزان يستلزم ثقل الموزون وإنما توزن الأشياء المرغوب في اقتنائها ، وقد شاع عند العرب الكناية عن الفضل والشرف وأصالة الرأي بالوزن ونحوهِ ، وبضد ذلك يقولون : فلان لا يقام له وزن ، قال تعالى : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } [ الكهف : 105 ] ، وقال النابغة :
أي راجح وهذا متبادر في العربية فلذلك لم يصرح في الآية بذكر ما يُثقل الموازين لظهور أنه العمل الصالح .
وقد ورد ذكر الميزان للأعمال يوم القيامة كثيراً في القرآن ، قال ابن العربي في « العواصم » : لم يرد حديث صحيح في الميزان . والمقصودُ عدم فوات شيء من الأعمال ، والله قادر على أن يجعل ذلك يوم القيامة بآلة أو بعمل الملائكة أو نحو ذلك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول : من رجحت موازينه بحسناته . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول : فأما من ثقُلَت موازين حسناته ، يعني بالموازين : الوزن ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
اختلفوا في تأويل الميزان من وجوه ، ولكن أقربها عندنا ... أن يكون المراد من قوله : { ثقلت موازينه } جملة المؤمنين ، وقوله تعالى : { وأما من خفت موازينه } جملة الكفار ، ويكون الوجه في ذلك أن المؤمن لما عظّم حق الله تعالى ، وأقام حدوده ، كان له ميزان وقيمة وخطر عند الله تعالى في ذلك ، والكافر لما ترك ذلك خف وزنه وقيمته وخطره . وقد يطلق ، والله أعلم ، هذا الكلام على معنى الجاه والمنزلة ، يقال : لفلان عند فلان وزن وقيمة ، وليس عنده ذلك الوزن . فكذلك هذا ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدها : أنه ميزان ذو كفتين توزن به الحسنات والسيئات ، قاله الحسن ...
الثاني : الميزان هو الحساب ، قاله مجاهد...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
الموازين : جمع موزون ، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله ، أو جمع ميزان . وثقلها : رجحانها . ومنه حديث أبي بكر لعمر رضي الله عنهما في وصيته له : «وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباعهم الحق ، وثقلها في الدنيا ، وحق لميزان لا توضع فيه إلاّ الحسنات أن يثقل ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه لاتباعهم الباطل ، وخفتها في الدنيا ، وحق لميزان لا توضع فيه إلاّ السيئات أن يخف » .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وثقل هذا الميزان هو بالإيمان والأعمال ، وخفته بعدمها وقلتها ، ولن يخف خفة موبقة ميزان مؤمن ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فأما من ثقلت } أي بالرجحان . ولما كانت الموزونات كثيرة الأنواع جداً ، جمع الميزان باعتبارها ، فقال : { موازينه } أي مقادير أنواع حسناته باتباع الحق ؛ لأنه ثقيل في الدنيا واجتناب الباطل ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية . وما أدراك ما هيه ? نار حامية ! ) .
وثقل الموازين وخفتها تفيدنا : قيما لها عند الله اعتبار ، وقيما ليس لها عنده اعتبار . وهذا ما يلقيه التعبير بجملته ، وهذا - والله أعلم - ما يريده الله بكلماته . فالدخول في جدل عقلي ولفظي حول هذه التعبيرات هو جفاء للحس القرآني ، وعبث ينشئه الفراغ من الاهتمام الحقيقي بالقرآن والإسلام !
( فأما من ثقلت موازينه ) في اعتبار الله وتقويمه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تفصيل لما في قوله : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } من إجمال حال الناس حينئذ ، فذلك هو المقصود بذكر اسم الناس الشامل لأهل السعادة وأهل الشقاء فلذلك كان تفصيله بحالين : حال حَسَن وحال فظيع .
وثقل الموازين كناية عن كونه بمحل الرضى من الله تعالى لكثرة حسناته ، لأن ثقل الميزان يستلزم ثقل الموزون وإنما توزن الأشياء المرغوب في اقتنائها ، وقد شاع عند العرب الكناية عن الفضل والشرف وأصالة الرأي بالوزن ونحوهِ ، وبضد ذلك يقولون : فلان لا يقام له وزن ، قال تعالى : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } [ الكهف : 105 ] ... وهذا متبادر في العربية فلذلك لم يصرح في الآية بذكر ما يُثقل الموازين لظهور أنه العمل الصالح .
وقد ورد ذكر الميزان للأعمال يوم القيامة كثيراً في القرآن ، قال ابن العربي في « العواصم » : لم يرد حديث صحيح في الميزان . والمقصودُ عدم فوات شيء من الأعمال ، والله قادر على أن يجعل ذلك يوم القيامة بآلة أو بعمل الملائكة أو نحو ذلك .