إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ} (6)

وقولُه تعالَى : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه } الخ بيانٌ إجماليٌّ لتحزبِ الناسِ إلى حزبينِ ، وتنبيهٌ على كيفيةِ الأحوالِ الخاصَّةِ بكلِّ منهُمَا إثرَ بيان الأحوالِ الشاملةِ للكُلِّ . والموازينُ إمَّا جمعُ الموزونِ ، وهُوَ العملُ الذي لَهُ وزنٌ وخطرٌ عندَ الله ، كما قالَهُ الفَرَّاءُ ، أو جمعُ ميزانِ ، قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهَما : إنُّه ميزانٌ له لسانٌ وكِفتانِ ، لا يوزنُ فيهِ إلا الأعمالُ . قالوا : توضعُ فيه صحائفُ الأعمالِ ، فينظرُ إليهِ الخلائقُ إظهاراً للمعدلةِ ، وقطعاً للمعذرةِ . وقيل : الوزنُ عبارةٌ عن القضاءِ السويِّ ، والحكمُ العادلِ ، وبهِ قال مجاهدٌ والأعمشُ والضحاكُ ، واختارَهُ كثيرٌ من المتأخرينَ ، قالوا : إنَّ الميزانَ لا يتوصلُ بهِ إلا إِلى معرفةِ مقاديرِ الأجسامِ ، فكيفَ يمكنُ أن يعرفَ به مقاديرُ الأعمالِ التي هيَ أعراضُ منقضيةٌ ، وقيلَ : إن الأعمالَ الظاهرة في هذهِ النشأةِ بصورٍ عريضةٍ تبرزُ في النشأةِ الآخرةِ بصورٍ جوهريةٍ مناسبةٍ لها في الحُسْنِ والقُبحِ ، وقد رُوي عنْ ابن عباسِ رصيَ الله عنهما أنَّه يُؤتى بالأعمالِ الصالحةِ على صُورٍ حسنةٍ ، وبالأعمالِ السيئةِ على صورٍ قبيحةٍ ، فتوضعُ في الميزانِ ، أيْ فمَنْ ترجحتْ مقاديرُ حسناتِه .