السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ} (6)

ثم سبب عن ذلك تعالى مفصلاً لهم : { فأمّا من ثقلت موازينه } أي : برجحان الحسنات ، وفي الموازين قولان : أحدهما : أنه جمع موزون ، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى ، وهذا قول الفراء . والثاني : قال ابن عباس : إنه جمع ميزان ، له لسان وكفتان ، لا يوزن فيه إلا الأعمال ، فتوزن فيه الصحف المكتوبة فيها الحسنات والسيئات ، أو الأعمال أنفسها ، فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة ، فتوضع في كفة الميزان ، فإذا رجحت فالجنة له ، ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة ، فيخف ميزانه ، فيدخل النار .

وقيل : إنما توزن أعمال المؤمنين ، فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار ، فيقتص منه على قدرها ، ثم يخرج منها فيدخل الجنة ، أو يعفو الله عنه فيدخل الجنة بفضله ورحمته . وأمّا الكافر فقد قال الله تعالى في حقه : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } [ الكهف : 105 ] ثم قيل : إنه ميزان واحد بيد جبريل عليه السلام ، يزن به أعمال بني آدم ، فعبر عنه بلفظ الجمع . وقيل : موازين لكل حادثة ميزان ، وقيل : الموازين الحجج والدلائل ، قاله عبد العزيز بن يحيى ، واستشهد بقول الشاعر :

قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة *** عندي لكل مخاصم ميزانه