قوله تعالى : { ثم لننزعن } لنخرجن { من كل شيعة } أي : من كل أمة وأهل دين من الكفار . { أيهم أشد على الرحمن عتياً } عتواً ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعنى جرأة . وقال مجاهد : فجوراً ، يريد : الأعتى ، فالأعتى . وقال الكلبي : قائدهم ورأسهم في الشر يريد أن يقدم في إدخال من هو أكبر جرماً وأشد كفراً . في بعض الآثار : أنهم يحشرون جميعاً حول جهنم مسلسلين مغلولين ، ثم يقدم الأكفر فالأكفر . ورفع ( أيهم ) على معنى : الذي يقال لهم : أيهم أشد على الرحمن عتياً . وقيل : على الاستئناف ثم لننزعن يعمل في موضع من كل شيعة .
{ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا } أي : ثم لننزعن من كل طائفة وفرقة من الظالمين المشتركين في الظلم والكفر والعتو أشدهم عتوا ، وأعظمهم ظلما ، وأكبرهم كفرا ، فيقدمهم إلى العذاب ، ثم هكذا يقدم إلى العذاب ، الأغلظ إثما ، فالأغلظ وهم في تلك الحال متلاعنون ، يلعن بعضهم بعضا ، ويقول أخراهم لأولاهم : { رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ* وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ } وكل هذا تابع لعدله وحكمته وعلمه الواسع ، ولهذا قال : { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا }
ثم يخص - سبحانه - بالذكر المصير المفزع للمتكبرين من هؤلاء الكافرين فيقول : { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً } .
والنزع : العزل والإخراج . يقال : نزع السلطان عامله ، إذا عزله وأخرجه من عمله ، والشيعة فى الأصل : الجماعة من الناس يتعاونون فيما بينهم على أمر من الأمور ، يقال : تشايع القوم ، إذا تعاونوا فيما بينهم .
و { عِتِيّاً } أى : خروجا عن الطاعة والاستجابة للأمر ، يقال : عتا فلان يعتو عتوا - من باب قعد - فهو عات إذا استكبر وجاوز حدوده فى العصيان والطغيان .
والمعنى : ثم لنستخرجن من كل طائفة تشايعت وتعاهدت على الكفر بالبعث ، والجحود للحق ، الذين هم أشد خروجاً عن طاعتنا وامتثال أمرنا فنبدأ بتعذيبهم أولاً ، لأنهم أشد من غيرهم فى العتو والعناد والجحود والضلال .
قال الجمل ما ملخصه : " وأظهر الأعاريب فى قوله : { أَيُّهُمْ أَشَدُّ } أن " أى " موصولة بمعنى الذى . وأن حركتها حركة بناء - أى هى مبنية على الضم - ، وأشد خبر مبتدأ مضمر . والجملة صلة لأى . وأيهم وصلتها فى محل نصب مفعولا به لننزعن . وعتيا تمييز محول عن المبتدأ المحذوف الذى هو أشد ، أى : جراءته على الرحمن أشد من جراءة غيره " .
لقول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ لَنَنزِعَنّ مِن كُلّ شِيعَةٍ أَيّهُمْ أَشَدّ عَلَى الرّحْمََنِ عِتِيّاً } .
يقول تعالى ذكره ، ثم لنأخذنَ من كلّ جماعة منهم أشدّهم على الله عتوّا ، وتمرّدا فلنبدأنّ بهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عليّ بن الأقمر ، عن أبي الأحوص ثُمّ لَنَنْزِعَنّ مِنْ كُلّ شِيعَةٍ أيّهُمْ أشَدّ عَلى الرّحْمَنِ عِتِيّا قال : نبدأ بالأكابر فالأكابر جرما .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ثُمّ لَنَنْزِعَنّ مِنْ كُلّ شِيعَةٍ أيّهُمْ أشَدّ عَلى الرّحْمَنِ عِتِيّا يقول : أيهم أشدّ للرحمن معصية ، وهي معصيته في الشرك .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أيّهُمْ أشَدّ عَلى الرّحْمَنِ عِتِيّا يقول : عصيا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مِنْ كُلّ شِيعَةٍ قال : أمة . وقوله عِتِيّا قال : كفرا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله ، وزاد فيه ابن جريج : فلنبدأنّ بهم .
قال أبو جعفر : والشيعة هم الجماعة المتعاونون على الأمر من الأمور ، يقال من ذلك : تشايع القوم : إذا تعاونوا ومنه قولهم للرجل الشجاع : إنه لمشيع : أي معان ، فمعنى الكلام : ثم لننزعنّ من كلّ جماعة تشايعت على الكفر بالله ، أشدّهم على الله عتوّا ، فلنبدأنّ بإصلائه جهنم . والتشايع في غير هذا الموضع : التفرّق ومنه قول الله عزّ ذكره : وكانُوا شيَعا يعني : فرقا ومنه قول ابن مسعود أو سعد . إني أكره أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : شيّعت بين أمتي ، بمعنى : فرّقت .
القول في عطف جملة { ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة } كالقول في جملة { ثمّ لنحضرنهم } . وهذه حالة أخرى من الرّعب أشدّ من اللتين قبلها وهي حالة تمييزهم للإلقاء في دركات الجحيم على حسب مراتب غلوّهم في الكفر .
والنزع : إخراج شيء من غيره ، ومنه نزع الماء من البئر .
والشيعة : الطائفة التي شاعت أحداً ، أي اتّبعته ، فهي على رأي واحد . وتقدم في قوله تعالى : { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } في سورة الحِجر ( 10 ) . والمراد هنا شيع أهل الكفر ، أي من كلّ شيعة منهم . أي ممن أحضرناهم حول جهنّم .
والعُتِيّ : العصيان والتجبّر ، فهو مصدر بوزن فُعول مثل : خروج وجلوس ، فقلبت الواو ياء . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف بكسر العين إتباعاً لحركة التاء كما تقدّم في جثياً .
والمعنى : لنميزنّ من كلّ فرقة تجمعها محلة خاصة من دين الضلال من هو من تلك الشيعة أشدّ عصياناً لله وتجبّراً عليه .
وهذا تهديد لعظماء المشركين مثل أبي جهل وأميّة بن خلف ونظرائهم .
و ( أيّ ) اسم موصول بمعنى ( ما ) و ( من ) . والغالب أن يحذف صدر صلتها فتبنى على الضم . وأصل التركيب : أيّهم هو أشدّ عتياً على الرحمان . وذكر صفة الرحمان هنا لتفظيع عتوّهم ، لأنّ شديد الرّحمة بالخلق حقيق بالشكر له والإحسان لا بالكفر به والطغيان .
ولمّا كان هذا النّزع والتمييز مجملاً ، فقد يزعم كل فريق أن غيره أشدّ عصياناً ، أعلم الله تعالى أنّه يعلم من هو أولى منهم بمقدار صُلي النّار فإنّها دركات متفاوتة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.