البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ عِتِيّٗا} (69)

{ ثم لننزعن } أي لنخرجن كقوله { ونزع يده } وقيل : لنرمين من نزع القوس وهو الرمي بالسهم ، والشيعة الجماعة المرتبطة بمذهب .

قال أبو الأحوص : يبدأ بالأكابر فالأكابر جرماً .

وقال الزمخشري : يمتاز من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم وأعتاهم فأعتاهم ، فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب فقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم ، والضمير في { أيهم } عائد على المحشورين المحضرين .

وقرأ الجمهور { أيهم } بالرفع وهي حركة بناء على مذهب سيبويه ، فأيهم مفعول بننزعن وهي موصولة : و { أشد } خبر مبتدأ محذوف ، والجملة صلة لأيهم وحركة إعراب على مذهب الخليل ويونس على اختلاف في التخريج .

و { أيهم أشد } مبتدأ وخبر محكي على مذهب الخليل أي الذين يقال فيهم { أيهم أشد } .

وفي موضع نصب فيعلق عنه { لننزعن } على مذهب يونس ، والترجيح بين هذه المذاهب مذكور في علم النحو .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون النزع واقعاً على من كل شيعة كقوله { ووهبنا لهم من رحمتنا } أي { لننزعن } بعض { كل شيعة } فكأن قائلاً قال : من هم ؟ فقيل إنهم أشد { عتياً } انتهى .

فتكون { أيهم } موصولة خبر مبتدأ محذوف ، وهذا تكلف وادعاء إضمار لا ضرورة تدعو إليه ، وجعل ما ظاهره أنه جملة واحدة جملتين ، وقرن الخليل تخريجه بقول الشاعر :

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل *** فأبيت لا حرج ولا محروم

أي فأبيت يقال فيّ لا حرج ولا محروم ، ورجح الزجاج قول الخليل وذكر عنه النحاس أنه غلط سيبويه في هذه المسألة .

قال سيبويه : ويلزم على هذا أن يجوز اضرب السارق الخبيث الذي يقال له قيل ، وليس بلازم من حيث هذه أسماء مفردة والآية جملة وتسلط الفعل على المفرد أعظم منه على الجملة .

ومذهب الكسائي أن معنى { لننزعن } لننادين فعومل معاملته فلم تعمل في أي انتهى .

ونقل هذا عن الفراء .

قال المهدوي : ونادى تعلق إذا كان بعده جملة نصب فتعمل في المعنى ولا تعمل في اللفظ .

وقال المبرد : { أيهم } متعلق بشيعة ، فلذلك ارتفع والمعنى من الذين تشايعوا { أيهم أشد } كأنهم يتبادرون إلى هذا ، ويلزم أن يقدر مفعولاً { لننزعن } محذوفاً وقدر أيضاً في هذا المذهب من الذين تشايعوا { أيهم } أي من الذين تعاونوا فنظروا { أيهم أشد } .

قال النحاس : وهذا قول حسن .

وقد حكى الكسائي أن التشايع هو التعاون .

وحكى أبو بكر بن شقير أن بعض الكوفيين يقول : في { أيهم } معنى الشرط ، تقول : ضربت القوم أيهم غضب ، والمعنى إن غضبوا أو لم يغضبوا فعلى هذا يكون التقدير إن اشتد عتوهم أو لم يشتد .

وقرأ طلحة بن مصرف ومعاذ بن مسلم الهراء أستاذ الفراء وزائدة عن الأعمش { أيهم } بالنصب مفعولاً بلننزعنّ ، وهاتان القراءتان تدلان على أن مذهب سيبويه أنه لا يتحتم فيها البناء إذا أضيفت وحذف صدر صلتها ، وقد نقل عنه تحتم البناء وينبغي أن يكون فيه على مذهبه البناء والإعراب .

قال أبو عمرو الجرمي : خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحداً يقول لأضربن أيهم قائم بالضم بل بنصبها انتهى .

وقال أبو جعفر النحاس : وما علمت أحداً من النحويين إلاّ وقد خطأ سيبويه ، وسمعت أبا إسحاق يعني الزجاج يقول : ما تبين أن سيبويه غلط في كتابه إلاّ في موضعين هذا أحدهما .

قال : وقد أعرب سيبويه أياً وهي مفردة لأنها تضاف فكيف يبنيها وهي مضافة ؟ .

و { على الرحمن } متعلق بأشد .

و { عتياً } تمييز محول من المبتدإ تقديره { أيهم } هو عتوه { أشد على الرحمن } وفي الكلام حذف تقديره فيلقيه في أشد العذاب ، أو فيبدأ بعذابه ثم بمن دونه إلى آخرهم عذاباً .

وفي الحديث : " إنه تبدو عنق من النار فتقول : إني أمرت بكل جبار عنيد فتلتقطهم " وفي بعض الآثار : «يحضرون جميعاً حول جهنم مسلسلين مغلولين ثم يقدم الأكفر فالأكفر » .

قال ابن عباس : { عتياً } جراءة .

وقال مجاهد : فجراً .

وقيل : افتراء بلغة تميم .

وقيل : { عتياً } جمع عات فانتصابه على الحال .