فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ عِتِيّٗا} (69)

{ ثم لننزعن من كل شيعة } أي من كل أمة وفرقة وأهل دين وملة من الكفار . والشيعة الفرقة التي تبعث دينا من الأديان ، وخصص ذلك الزمخشري فقال هي الطائفة التي شاعت أي تبعث غاويا من الغواة ، قال الله تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم{[1172]} وكانوا شيعا } { أيهم أشد{[1173]} على الرحمن عتيا } أي أعصى لله وأعتى وقال ابن عباس : عتيا معصية وعصيا ، فإنه من كل طوائف الغي والفساد أعصاهم وأعتاهم فإذا اجتمعوا طرحهم في جهنم ، والعتي هنا مصدر كالعتو وهو التمرد والعصيان ، أي عصيانا وجرأة .

وقيل : المعنى لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشر ، قاله قتادة وفي ذكر الأشد تنبيه على أنه تعالى يعفو عن كثير من أهل العصيان ، ولو خص ذلك بالكفرة ، فالمراد أنه يميز طوائفهم أعتاهم فأعتاهم ويطرحهم في النار على الترتيب ، أو يدخل كلا طبقته التي تليق به ، وللنحويين في إعراب أيهم كلام طويل وأقوال كثيرة أظهرها عند الجمهور من المعربين ، وهو مذهب سيبويه أن أيهم موصولة بمعنى الذي وأن حركتها حركة بناء ، وأشد خبر مبتدأ مضمر والجملة صلة لأي ، وأيهم وصلتها في محل نصب مفعولا به لننزعن ، وعتيا تمييز محول عن المبتدأ المحذوف الذي هو أشد . أي عتوة أشد من عتو غيره .

وعن ابن مسعود قال : يحشر الأول على الآخر حتى إذا تكاملت العدة أثارهم جميعا ، ثم بدأ بالأكابر والأكابر جرما ، ثم قرأ : { فوربك لنحشرنهم } إلى قوله


[1172]:هذا جزء من الآية رقم 109من سورة الأنعام.
[1173]:بقية آية مريم رقم 69.