وأنه وحده المعبود المحمود في الدنيا والآخرة ، على ماله من صفات الجلال والجمال ، وعلى ما أسداه إلى خلقه من الإحسان والإفضال .
وأنه هو الحاكم في الدارين ، في الدنيا ، بالحكم القدري ، الذي أثره جميع ما خلق وذرأ ، والحكم الديني ، الذي أثره جميع الشرائع ، والأوامر والنواهي .
وفي الآخرة يحكم بحكمه القدري والجزائي ، ولهذا قال : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
وقوله : وَهُوَ اللّهُ لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول تعالى ذكره : وربك يا محمد المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له ، ولا معبود تجوز عبادته غيره لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولى يعني في الدنيا والاَخرة وَلَهُ الحُكْمُ يقول : وله القضاء بين خلقه وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ يقول : وإليه تردّون من بعد مماتكم ، فيقضي بينكم بالحقّ .
{ وهو الله } المستحق للعبادة . { لا إله إلا هو } لا أحد يستحقها إلا هو . { له الحمد في الأولى والآخرة } لأنه المولى للنعم كلها عاجلها وآجلها يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } { الحمد لله الذي صدقنا وعده } ابتهاجا بفضله والتذاذا بحمده { وله الحكم } القضاء النافذ في كل شيء . { وإليه ترجعون } بالنشور .
عطف على جملة { وربك يخلق ما يشاء ويختار } [ القصص : 68 ] الآية . والمقصود هو قوله { وله الحكم } وإنما قدم عليه ما هو دليل على أنه المنفرد بالحكم مع إدماج صفات عظمته الذاتية المقتضية افتقار الكل إليه .
ولذلك ابتدئت الجملة بضمير الغائب ليعود إلى المتحدث عنه بجميع ما تقدم من قوله { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } [ القصص : 58 ] إلى هنا ، أي الموصوف بتلك الصفات العظيمة والفاعل لتلك الأفعال الجليلة . والمذكور بعنوان { ربك } [ القصص : 69 ] هو المسمى الله اسماً جامعاً لجميع معاني الكمال . فضمير الغيبة مبتدأ واسم الجلالة خبره ، أي فلا تلتبسوا فيه ولا تخطئوا بادعاء ما لا يليق باسمه . وقريب منه قوله { فذلكم الله ربكم الحق } [ يونس : 32 ] .
وقوله { لا إله إلا هو } خبر ثان عن ضمير الجلالة ، وفي هذا الخبر الثاني زيادة تقرير لمدلول الخبر الأول فإن اسم الجلالة اختص بالدلالة على الإله الحق إلا أن المشركين حرفوا أو أثبتوا الإلهية للأصنام مع اعترافهم بأنها إلهية دون إلهية الله تعالى فكان من حق النظر أن يعلم أن لا إله إلا هو ، فكان هذا إبطالاً للشرك بعد إبطاله بحكاية تلاشيه عن أهل ملته يوم القيامة بقوله { وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم } [ القصص : 64 ] .
وأخبر عن اسم الجلالة خبراً ثانياً بقوله { له الحمد في الأولى والآخرة } وهو استدلال على انتفاء إلهية غيره بحجة أن الناس مؤمنهم وكافرهم لا يحمدون في الدنيا إلا الله فلا تسمع أحداً من المشركين يقول : الحمد للعزى ، مثلاً .
فاللام في { له } للملك ، أي لا يملك الحمد غيره ، وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص وهو اختصاص حقيقي .
وتعريف { الحمد } تعريف الجنس المفيد للاستغراق ، أي له كل حمد .
و { الأولى } هي الدنيا وتخصيص الحمد به في الدنيا اختصاص لجنس الحمد به لأن حمد غيره مجاز كما تقدم في أول الفاتحة .
وأما الحمد في الآخرة فهو ما في قوله { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده } [ الإسراء : 52 ] . واختصاص الجنس به في الآخرة حقيقة .
وقوله { وله الحكم } اللام فيه أيضاً للملك . والتقديم للاختصاص أيضاً . و { الحكم } : القضاء وهو تعيين نفع أو ضر للغير . وحذف المتعلق بالحكم لدلالة قوله { في الأولى والآخرة } عليه ، أي له الحكم في الدارين . والاختصاص مستعمل في حقيقته ومجازه لأن الحكم في الدنيا يثبت لغير الله على المجاز ، وأما الحكم في الآخرة فمقصور على الله . وفي هذا إبطال لتصرف آلهة المشركين فيما يزعمونه من تصرفاتها وإبطال لشفاعتها التي يزعمونها في قولهم { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] أي في الآخرة إن كان ما زعمتم من البعث .
وأما جملة { وإليه ترجعون } فمسوقة مساق التخصيص بعد التعميم ، فبعد أن أثبت لله كل حمد وكل حكم ، أي أنكم ترجعون إليه في الآخرة فتمجدونه ويُجري عليكم حكمه . والمقصود بهذا إلزامهم بإثبات البعث .
وتقديم المجرور في { وإليه ترجعون } للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بالانتهاء إليه أي إلى حكمه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى حين لم يوحده كفار مكة، الوليد وأصحابه. فقال سبحانه: {وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة} يعني: يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة، يعني أهل الجنة {وله الحكم وإليه ترجعون} بعد الموت في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَهُوَ اللّهُ لا إلَهَ إلاّ هُوَ" يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاّ له، ولا معبود تجوز عبادته غيره.
"لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولى "يعني في الدنيا "والآخرة وَلَهُ الحُكْمُ" يقول: وله القضاء بين خلقه، "وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ" يقول: وإليه تردّون من بعد مماتكم، فيقضي بينكم بالحقّ.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وله الحكم} في الدنيا والآخرة، لأن أنفس الخلائق له دونهم، فله الحكم في أمورهم وأفعالهم كما له الحكم في أحوالهم، لأنه لا يلحقه الخطأ في حكمه؛ إذ هو عالم بذاته، ولا تلحقه التهمة أيضا في دفع مضرة أو جر نفع لأنه غني بذاته فله الحكم في الدارين جميعا...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وهُوَ الله} وهو المستأثر بالإلهية المختص بها، و {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} تقرير لذلك، كقولك: الكعبة القبلة، لا قبلة إلا هي. فإن قلت: الحمد في الدنيا ظاهر فما الحمد في الآخرة؟ قلت: هو قولهم: {الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} [فاطر: 34]، {الحمد للَّهِ الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74] {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} [الزمر: 75] والتحميد هناك على وجه اللذة لا الكلفة.
لما بين علمه بما هم عليه من الغل والحسد والسفاهة قال: {وهو الله لا إله إلا هو} وفيه تنبيه على كونه قادرا على كل الممكنات، وعالما بكل المعلومات، منزها عن النقائص والآفات يجازي المحسنين على طاعتهم ويعاقب العصاة على عصيانهم وفيه نهاية الزجر والردع للعصاة ونهاية تقوية القلب للمطيعين، ويحتمل أيضا أنه لما بين فساد طريق المشركين من قوله: {ويوم يناديهم} فيقول {أين شركائي} ختم الكلام في ذلك بإظهار هذا التوحيد وبيان أن الحمد والثناء لا يليق إلا به. أما قوله: {له الحمد في الأولى والآخرة} فهو ظاهر على قولنا لأن الثواب غير واجب عليه بل هو سبحانه يعطيه فضلا وإحسانا فله الحمد في الأولى والآخرة، ويؤكد ذلك قول أهل الجنة {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} {الحمد لله الذي صدقنا وعده} {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}...
أما قوله: {وله الحكم} فهو إما في الدنيا أو في الآخرة فأما في الدنيا فحكم كل أحد سواه إنما نفذ بحكمه، فلولا حكمه لما نفذ على العبد حكم سيده ولا على الزوجة حكم زوجها ولا على الابن حكم أبيه ولا على الرعية حكم سلطانهم ولا على الأمة حكم الرسول، فهو الحاكم في الحقيقة، وأما في الآخرة فلا شك أنه هو الحاكم، لأنه الذي يتولى الحكم بين العباد في الآخرة، فينتصف للمظلومين من الظالمين.
أما قوله: {وإليه ترجعون} فالمعنى وإلى محل حكمه وقضائه ترجعون...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ} أي: في جميع ما يفعله هو المحمود عليه، لعدله وحكمته {وَلَهُ الْحُكْمُ} أي: الذي لا معقب له، لقهره وغلبته وحكمته ورحمته.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
شرح معنى الاسم الأعظم بقوله {لا إله إلا هو} ثم علل ذلك بقوله: {له} أي وحده {الحمد} أي الإحاطة بأوصاف الكمال {في الأولى والآخرة} وليس ذلك لشيء سواه إن آمنوا أو كفروا {وله} أي وحده {الحكم} أي إمضاء القضاء على الإطلاق، فلو أراد لقسرهم على الإيمان {وإليه} أي لا إلى غيره {ترجعون} أي بأيسر أمر يوم النفخ في الصور، لبعثرة القبور، بالبعث والنشور.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف على جملة {وربك يخلق ما يشاء ويختار}. والمقصود هو قوله {وله الحكم} وإنما قدم عليه ما هو دليل على أنه المنفرد بالحكم مع إدماج صفات عظمته الذاتية المقتضية افتقار الكل إليه. ولذلك ابتدئت الجملة بضمير الغائب ليعود إلى المتحدَّث عنه بجميع ما تقدم من قوله {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها} [القصص: 58] إلى هنا، أي الموصوف بتلك الصفات العظيمة والفاعل لتلك الأفعال الجليلة. والمذكور بعنوان {ربك} هو المسمى الله اسماً جامعاً لجميع معاني الكمال. فضمير الغيبة مبتدأ واسم الجلالة خبره، أي فلا تلتبسوا فيه ولا تخطئوا بادعاء ما لا يليق باسمه. وقريب منه قوله {فذلكم الله ربكم الحق} [يونس: 32]. وقوله {لا إله إلا هو} خبر ثان عن ضمير الجلالة، وفي هذا الخبر الثاني زيادة تقرير لمدلول الخبر الأول فإن اسم الجلالة اختص بالدلالة على الإله الحق إلا أن المشركين حرفوا أو أثبتوا الإلهية للأصنام مع اعترافهم بأنها إلهية دون إلهية الله تعالى فكان من حق النظر أن يعلم أن لا إله إلا هو، فكان هذا إبطالاً للشرك بعد إبطاله بحكاية تلاشيه عن أهل ملته يوم القيامة بقوله {وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} [القصص: 64]. وأخبر عن اسم الجلالة خبراً ثانياً بقوله {له الحمد في الأولى والآخرة} وهو استدلال على انتفاء إلهية غيره بحجة أن الناس مؤمنهم وكافرهم لا يحمدون في الدنيا إلا الله فلا تسمع أحداً من المشركين يقول: الحمد للعزى، مثلاً. فاللام في {له} للملك، أي لا يملك الحمد غيره، وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص وهو اختصاص حقيقي. وتعريف {الحمد} تعريف الجنس المفيد للاستغراق، أي له كل حمد. و {الأولى} هي الدنيا وتخصيص الحمد به في الدنيا اختصاص لجنس الحمد به لأن حمد غيره مجاز كما تقدم في أول الفاتحة. وأما الحمد في الآخرة فهو ما في قوله {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} [الإسراء: 52]. واختصاص الجنس به في الآخرة حقيقة. وقوله {وله الحكم} اللام فيه أيضاً للملك. والتقديم للاختصاص أيضاً. و {الحكم}: القضاء وهو تعيين نفع أو ضر للغير. وحذف المتعلق بالحكم لدلالة قوله {في الأولى والآخرة} عليه، أي له الحكم في الدارين.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
{وله الحكم} أي له الحكم المطلق، المناسب لجلاله وكماله، الذي لا يتأثر بشهوة، ولا يصدر عن هوى، والحكم الأوفق بطبيعة الإنسان والأضمن لمصلحته شرعا وقدرا، {والله يحكم لا معقب لحكمه} [المائدة: 50] {أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين: 8] ثم قال تعالى: {وإليه ترجعون} أحببتم أم كرهتم، فرادى كما خلقكم أول مرة {وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} [الأنعام: 94].