قوله تعالى : { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } أي من اتبعه في زمانه وملته بعده .
قوله تعالى : { وهذا النبي } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : { والذين آمنوا } يعني من هذه الأمة .
قوله تعالى : { والله ولي المؤمنين } . روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ورواه محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده ، حديث هجرة الحبشة ، لما هاجر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة واستقرت بهم الدار ، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان من أمر بدر ما كان ، اجتمعت قريش في دار الندوة وقالوا :إن لنا في الذين هم عند النجاشي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثأراً ممن قتل منكم ببدر ، فاجمعوا مالاً وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي رأيكم ، فبعثوا عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد أو عمارة بن أبي معيط مع الهدايا ، الأدم وغيره ، فركبا البحر ، وأتيا الحبشة فلما دخلا على النجاشي سجدا له ، وسلما عليه ، وقالا له : إن قومنا لك ناصحون شاكرون ، ولأصحابك محبون ، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك ، لأنهم قوم رجل كذاب خرج فينا ، يزعم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء ، وإنا كنا قد ضيقنا عليهم الأمر ، وألجأناهم إلى شعب بأرضنا ، لا يدخل عليهم أحد ولا يخرج منهم أحد ، فقتلهم الجوع والعطش ، فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك فاحذرهم ، وادفعهم إلينا لنكفيكهم ، قالا : وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس رغبة عن دينك وسنتك ، قال : فدعاهم النجاشي فلما حضروا ، صاح جعفر بالباب : يستأذن عليك حزب الله ، فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل جعفر ، فقال النجاشي : نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته ، فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه فقال : ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله ؟ وما أجابهم به النجاشي ، فساءهما ذلك ، ثم دخلوا عليه فلم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص : ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك ؟ فقال لهم النجاشي : ما منعكم أن تسجدوا لي ، وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق ؟ قالوا : نسجد لله الذي خلقك ، وملكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله فينا نبياً صادقاً ، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله وهي السلام ، تحية أهل الجنة ، فعرف النجاشي أن ذلك حق وأنه في التوراة والإنجيل ، قال : أيكم الهاتف يستأذن عليك حزب الله ، قال جعفر : أنا ، قال : فتكلم ، قال : إنك مثلك من ملوك أهل الأرض ، ومن أهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم ، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي ، فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الآخر ، فتسمع محاورتنا . فقال عمرو لجعفر : تكلم ، فقال جعفر النجاشي : سل هذين الرجلين ، أعبيد نحن أم أحرار كرام ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم ، فقال النجاشي : أعبيد هم أم أحرار ؟ فقال عمرو : بل أحرار كرام ، فقال النجاشي : نجوا من العبودية ، ثم قال جعفر : سل ، هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ فقال عمرو : لا ، ولا قطرة . فقال جعفر :سلهما ؟ هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ قال النجاشي : إن كان قنطاراً فعلي قضاؤه ، فقال عمرو : لا ولا قيراطاً ، قال النجاشي : فما تطلبون منهم ؟ قال عمرو : كنا وهم على دين واحد وأمر واحد ، على دين آبائنا ، فتركوا ذلك واتبعوا غيره ، فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا ، فقال النجاشي : ما هذا الدين الذي كنتم عليه ؟ والدين الذي اتبعتموه ، اصدقني ؟ قال جعفر : أما الدين الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ، ونعبد الحجارة ، وأما الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام ، جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب عيسى ابن مريم موافقاً له ، فقال النجاشي : يا جعفر لقد تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك ، ثم أمر النجاشي فضرب بالناقوس ، فاجتمع إليه كل قسيس وراهب ، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبي مرسل ؟ فقالوا : اللهم نعم ، قد بشرنا به عيسى وقال : " من آمن به فقد آمن بي ، ومن كفر به فقد كفر بي " ، فقال النجاشي لجعفر : ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به وما ينهاكم عنه ؟ فقال : يقرأ علينا كتاب الله ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويأمرنا بحسن الجوار ، وصلة الرحم ، وبر اليتيم ، ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له . فقال : اقرأ علي مما يقرأ عليكم ؟ فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم ، ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع وقالوا : زدنا يا جعفر من هذا الحديث الطيب ؟ فقرأ عليهم سورة الكهف ، فأراد عمرو أن يغضب النجاشي ، فقال : إنهم يشتمون عيسى وأمه ، فقال النجاشي : ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ جعفر عليهم سورة مريم ، فلما أتى جعفر على ذكر مريم وعيسى عليهما السلام رفع النجاشي نفثه من سواكه قدر ما يقذي العين فقال : والله ما زاد المسيح على ما تقولون مثل هذا ، ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي ، يقول آمنون ، من سبكم أو آذاكم غرم ، ثم قال : أبشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم ، قال عمرو : يا نجاشي ومن حزب إبراهيم ؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاؤوا من عنده ومن تبعهم . فأنكر ذلك المشركون وادعوا في دين إبراهيم ، ثم رد النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه وقال : إنما هديتكم إلي رشوة فاقبضوها ، فإن الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة ، قال جعفر : فانصرفنا فكنا في خير دار ، وأكرم جوار ، وأنزل الله تعالى ذلك اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصومتهم في إبراهيم وهو بالمدينة ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) .
لما ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا ، والنصارى أنه نصراني ، وجادلوا على ذلك ، رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم ، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا في أمر هم أجانب عنه وهم جادلوا في أحكام التوراة والإنجيل سواء أخطأوا أم أصابوا فليس معهم المحاجة في شأن إبراهيم .
الوجه الثاني : أن اليهود ينتسبون إلى أحكام التوراة ، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل ، والتوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم ، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو قبلهم متقدم عليهم ، فهل هذا يعقل ؟ ! فلهذا قال { أفلا تعقلون } أي : فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك .
الوجه الثالث : أن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين ، وجعله حنيفا مسلما ، وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته ، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه ، فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم ، والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم ، وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين ، فليسوا من إبراهيم وليس منهم ، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب . وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم ، وأن من تكلم بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه ، وفيها أيضا حث على علم التاريخ ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما علم من التاريخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.