الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (68)

قوله تعالى : { بِإِبْرَاهِيمَ } : متعلِّقٌ ب " أَوْلى " ، وأولى : أفعلُ تفضيل من الوَلْي وهو القُرْب ، والمعنى : أن أقربَ الناس به وأخصَّهم ، فألفُه منقلبةٌ من ياء ، لكونِ فائه واواً . قال أبو البقاء : " إذ ليس في الكلامِ ما لامُه وفاؤه واوان ، إلا " واو " يعني اسم حرف التهجي ، كالوسط من " قول " ، أو اسم حرف المعنى كواو النسق ، ولأهلِ التصريفِ خلافٌ من عينِه : هل هي واو أيضاً أو ياءٌ ؟ وقد تَعَرَّضْتُ لها بدلائِلها في " شرح التسهيل " .

و " لَلَّذين اتَّبعوه " خبرُ " إنَّ " ، و " هذا النبي " نَسَقٌ على الموصول ، وكذلك و " الذين آمنوا " ، والنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون رضي الله عنهم وإنْ كانوا داخلين فيمَنْ اتَّبع إبراهيم ، إلا أَنَّهم خُصُّوا بالذكر تشريفاً وتكريماً ، فهو من باب { وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [ البقرة : 98 ] .

وحكى الزمخشري أنه قرىء : " وهذا النبيّ " بالنصب والجر ، فالنصبُ نسق على مفعول " اتبعوه " فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد اتَّبعه غيرُه كما اتبع إبراهيم ، والتقدير : للذين اتبعوا إبراهيم وهذا النبيُّ : ويكون قوله : " والذين آمنوا " نسقاً على قوله : " للَّذين اتبعوه " . والجر نسقٌ على

" إبراهيم " ، أي : إن أولى الناس بإبراهيم وبهذا النبي للذين اتبعوه ، وفيه نظرٌ من حيث إنه كان ينبغي أَنْ يُثَنَّى الضمير في " اتبعوه " فيقال : اتبعوهما ، اللهم إلا أن يقال : هو من باب { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] .