معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

قوله تعالى : { وألق ما في يمينك } يعني العصا { تلقف } تلتقم ، وتبتلع { ما صنعوا } قرأ ابن عامر ( تلقف ) برفع الفاء ها هنا ، وقرأ الآخرون : بالجزم على جواب الأمر { إنما صنعوا } أي :الذي صنعوا { كيد ساحر } أي : حيلة سحر هكذا . قرأ حمزة ، و الكسائي : بكسر السين بلا ألف ، وقرأ الآخرون : ساحر لأن إضافة الكيد إلى الفاعل أولى من إضافته إلى الفعل ، وإن كان ذلك لا يمنع في العربية { ولا يفلح الساحر حيث أتى } من الأرض . قال ابن عباس : لا يسعد حيث كان . وقيل : معناه حيث احتال . { فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى* }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

" وألْقِ ما فِي يَمينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا " يقول : وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى .

وقوله : " إنّمَا صَنَعُوا كَيْدُ ساحِر " ٍ اختلفت القرّاء في قراءة قوله ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة " إنّمَا صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ " برفع كيد وبالألف في ساحر بمعنى : إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : «إنّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ » برفع الكيد وبغير الألف في السحر بمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر .

والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، وذلك أن الكيد هو المكر والخدعة ، فالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر ، ومكر السحر وخدعته : تخيله إلى المسحور ، على خلاف ما هو به في حقيقته ، فالساحر كائد بالسحر ، والسحر كائد بالتخييل ، فإلى أيهما أضفت الكيد فهو صواب . وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ : «كَيْدَ سِحْرٍ » بنصب كميد . ومن قرأ ذلك كذلك ، جعل إنما حرفا واحدا وأعمل صنعوا في كيد .

قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من القرّاء على خلافها .

وقوله : " وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أتَى " يقول : ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان . وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقول : معنى ذلك : أن الساحر يُقتل حيث وُجد . وذكر بعض نحويي البصرة ، أن ذلك في حرف ابن مسعود : «وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ أيْنَ أَتَى » وقال : العرب تقول : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم . وقال غيره من أهل العربية الأول : جزاء يقتل الساحر حيث أتى وأين أتى وقال : وما قول العرب : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم ، فإنما هو جواب لم يفهم ، فاستفهم كما قالوا : أي الماء والعشب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

وقرأ جمهور القراء «تلقّفْ » بالجزم على جواب الأمر وبشد القاف ، وقرأ ابن عامر وحده «تلقف » وهو في موضع الحال ويصح أن يكون من الملقى على اتساع ويصح أن يكون من الملقى وهي العصا وهذه حال ، وإن كانت لم تقع بعد كقوله تعالى : { هدياً بالغ الكعبة }{[8129]} [ المائدة : 95 ] وهذا كثير . وقرأ حفص عن عاصم «تلْقف » بسكون اللام وتخفيف القاف وأنث الفعل وهو مسند الى ما في اليمين من حيث كانت العصا مراده بذلك ، وروى البزي عن ابن كثير{[8130]} أنه كان يشدد التاء من «تلقف » كأنه أراد تتلقف فأدغم ، وأنكر أبو علي هذه القراءة ع ويشبه أن قارئها إنما يلتزمها في الوصل حيث يستغنى عن جلب ألف ، وقرأ الجمهور «كيدُ ساحر » برفع الكيد ، وقرأ حمزة والكسائي «كيد السحر » ، وقرأت فرقة «كيدَ » بالنصب «سحر » وهذا على أن «ما » كافة و «كيدَ » منصوب ب { صنعوا } ، ورفع «كيدُ » على أن «ما » بمعنى الذي .

و { يفلح } معناه يبقى ويظفر ببغيته ، وقالت فرقة معناه أن الساحر يقتل حيث ثقف ع وهذا جزاء من عدم الفلاح ، وقرأت فرقة «أين أتى » والمعنى بهما متقارب ، وروي من قصص هذه الآية أن فرعون ، لعنه الله ، جلس في علية له طولها ثمانون ذراعاً والناس تحته في بسيط وجاء سبعون ألف ساحر فألقوا من حبالهم وعصيهم ما فيه وقر{[8131]} ثلاثمائة بعير فهال الأمر .


[8129]:من الآية (95) من سورة المائدة.
[8130]:في بعض النسخ، "عن ابن كثير".
[8131]:الوقر: الحمل.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

عبّر عن العصا ب { مَا } الموصولة تذكيراً له بيوم التكليم إذ قال له : { وما تلك بيمينك يا موسى } [ طه : 17 ] ليحصل له الاطمئنان بأنها صائرة إلى الحالة التي صارت إليها يومئذ ، ولذلك لم يقل له : وألق عصاك .

والتلقّف : الابتلاع . وقرأه الجمهور بجزم { تلقّفْ في جواب قوله وَأَلْقِ } . وقرأه ابن ذكوان برفع { تلقّف على الاستئناف .

وقرأ الجمهور تلَقّف بفتح اللام وتشديد القاف .

وقرأه حفص بسكون اللاّم وفتح القاف من لقِف كفرِح .

وجملة { إنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحر } مستأنفة ابتدائية ، وهي مرَكبّة من ( إنّ ) و ( مَا ) الموصولة . و { كيد ساحر } خبر ( إنّ ) . والكلام إخبار بسيط لا قصر فيه . وكتب ( إنما ) في المصحف موصولة ( إنّ ) ب ( ما ) الموصولة كما توصل ب ( ما ) الكافّة في نحو { إنما حرّم عليكم الميتة } [ البقرة : 173 ] ولم يكن المتقدمون يتوخّون الفروق في رسم الخط .

وقرأ الجمهور { كيد ساحر بألف بعد السين . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف كيد سِحر بكسر السين .

وجملة { ولاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أتى } من تمام الجملة التي قبلها ، فهي معطوفة عليها وحال من ضمير { إنَّمَا صَنَعُوا } ، أي لا يَنجحُ الساحر حيث كان ، لأن صنعته تنكشف بالتأمل وثبات النفس في عدم التأثّر بها . وتعريف { الساحر } تعريف الجنس لقصد الجنس المعروف ، أي لا يفلح بها كلّ ساحر .

واختير فعل { أتى } دون نحو : حيث كانَ ، أو حَيث حلّ ، لمراعاة كون معظم أولئك السحرة مجلوبون من جهات مصر ، وللرعاية على فواصل الآيات الواقعة على حرف الألف المقصورة .

وتعميم { حَيْثُ أتى } لعموم الأمكنة التي يحضرها ، أي بسحره .

وتعليق الحكم بوصف الساحر يقتضي أن نفي الفلاح عن الساحر في أمور السحر لا في تجارة أو غيرها . وهذا تأكيد للعموم المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي ، لأنّ عموم الأشياء يستلزم عموم الأمكنة التي تقع فيها .