مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

{ وألق ما في يمينك } وفيه سؤال ، وهو أنه لم لم يقل وألق عصاك . والجواب : جاز أن يكون تصغيرا لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي بيمينك فإنه بقدرة الله تعالى يتلقفها على وحدته وكثرتها وصغره وعظمها وجائز أن يكون تعظيما لها أي لا تحتفل بهذه الأجرام الكثيرة فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها وهذه على كثرتها أقل شيء عندها فألقه يتلقفها بإذن الله تعالى ويمحقها ، أما قوله : { تلقف } أي فإنك إذا ألقيتها فإنها تلقف ما صنعوا قراءة العامة تلقف بالجزم والتشديد أي فألقها تتلقفها وقرأ ابن عامر تلقف بالتشديد وضم الفاء على معنى الحال أي ألقها متلقفة أو بالرفع على الاستئناف ، وروى حفص عن عاصم بسكون اللام مع التخفيف أي تأخذ بفيها ابتلاعا بسرعة واللقف والتلقف جميعا يرجعان إلى هذا المعنى ، وصنعوا ههنا بمعنى اختلقوا وزوروا والعرب تقول في الكذب : هو كلام مصنوع وموضوع وصحة قوله : { تلقف } أنه إذا ألقى ذلك وصارت حية تلقفت ما صنعوا وفي قوله : { فألقي السحرة سجدا } دلالة على أنه ألقى العصا وصارت حية وتلقفت ما صنعوه وفي التلقف دلالة على أن جميع ما ألقوه تلقفته وذلك لا يكون إلا مع عظم جسدها وشدة قوتها . وقد حكى عن السحرة أنهم عند التلقف أيقنوا بأن ما جاء به موسى عليه السلام ليس من مقدور البشر من وجوه : أحدها : ظهور حركة العصا على وجه لا يكون مثله بالحيلة . وثانيها : زيادة عظمها على وجه لا يتم ذلك بالحيلة . وثالثها : ظهور الأعضاء عليه من العين والمنخرين والفم وغيرها ولا يتم ذلك بالحيلة . ورابعها : تلقف جميع ما ألقوه على كثرته وذلك لا يتم بالحيلة . وخامسها : عودها خشبة صغيرة كما كانت وشيء من ذلك لا يتم بالحيلة ثم بين سبحانه وتعالى أن ما صنعوا كيد ساحر والمعنى أن الذي معك يا موسى معجزة إلهية والذي معهم تمويهات باطلة فكيف يحصل التعارض . وقرئ كيد ساحر بالرفع والنصب فمن رفع فعلى أن ما موصولة ومن نصب فعلى أنها كافة وقرئ كيد سحر بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه وبذاته أو بين الكيد لأنه يكون سحرا وغير سحر ، كما يبين المائة بدرهم ونحوه علم فقه وعلم نحو ، بقي سؤالات :

السؤال الأول : لم وحد الساحر ، ولم يجمع . الجواب : لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد فلو جمع تخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله : { ولا يفلح الساحر حيث أتى } أي هذا الجنس .

السؤال الثاني : لم نكر أولا ثم عرف ثانيا . الجواب : كأنه قال : هذا الذي أتوا به قسم واحد من أقسام السحر وجميع أقسام السحر لا فائدة فيه ولا شك أن هذا الكلام على هذا الوجه أبلغ .

السؤال الثالث : قوله : { ولا يفلح الساحر حيث أتى } يدل على أن الساحر لا يحصل له مقصوده بالسحر خيرا كان أو شرا وذلك يقتضي نفي السحر بالكلية . الجواب : الكلام في السحر وحقيقته قد تقدم في سورة البقرة فلا وجه للإعادة ، والله أعلم .