البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

{ وألق ما في يمينك } لم يأت التركيب وألق عصاك لما في لفظ اليمين من معنى اليمن والبركة .

قال الزمخشري : وقوله { ما في يمينك } ولم يقل عصاك جائز أن يكون تصغيراً لها أي لا تبالِ بكثرة حبالهم وعصيهم ، وألق العُوَيد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك فإنه بقدرة الله يتلقفها على حدته وكثرتها وصغره وعظمها ، وجائز أن يكون تعظيماً لها أي لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة فإن في يمينك شيئاً أعظم منها كلها وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها ، فألقه تتلقفها بإذن الله وتمحقها انتهى .

وهو تكثير وخطابه لا طائل في ذلك .

وفي قوله { تلقف } حمل على معنى ما لا على لفظها إذ أطلقت ما على العصا والعصا مؤنثة ، ولو حمل على اللفظ لكان بالياء .

وقرأ الجمهور تَلَقَّف بفتح اللام وتشديد القاف مجزوماً على جواب الأمر .

وقرأ ابن عامر كذلك وبرفع الفاء على الاستئناف أو على الحال من الملقى .

وقرأ أبو جعفر وحفص وعصمة عن عاصم { تَلْقَفْ } بإسكان اللام والفاء وتخفيف القاف وعن قنبل أنه كان يشدد من تلقّف يريد يتلقف .

وقرأ الجمهور { كيد } بالرّفع على أن { ما } موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف ، ويحتمل أن تكون { ما } مصدرية أي أن صنعتم كيد ، ومعنى { صنعوا } هنا زوّروا وافتعلوا كقوله { تلقف ما يأفكون } وقرأ مجاهد وحميد وزيد بن عليّ { كيد سحر } بالنصب مفعولاً لصنعوا وما مهيئة .

وقرأ أبو بحرية والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وخلف في اختياره وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي وابن جرير وحمزة والكسائي سِحْر بكسر السين وإسكان الحاء بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر ، أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه أو بذاته ، أو بين الكيد لأنه يكون سحراً وغير سحر كما تبين المائة بدرهم ونحوه علم فقه وعلم نحو .

وقرأ الجمهور ساحر اسم فاعل من سحر ، وأفرد ساحر من حيث إن فعل الجميع نوع واحد من السحر ، وذلك الحبال والعصي فكأنه صدر من ساحر واحد لعدم اختلاف أنواعه .

وقال الزمخشري : لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد ، فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى أن قوله { ولا يفلح الساحر } أي هذا الجنس انتهى .

وعرف في قوله { ولا يفلح الساحر } لأنه عاد على ساحر النكرة قبله كقوله { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول } وقال الزمخشري : إنما نكر يعني أولاً من أجل تنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العجاج :

في سعي دنيا طال ما قد مدت . . .

وفي حديث عمر رضي الله عنه : لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة المراد تنكير الأمر كأنه قال : إنما صنعوا كيد سحري وفي سعي دنياوي وأمر دنياوي وأخراوي انتهى .

وقول العجاج .

في سعي دنيا ، محمول على الضرورة إذ دنيا تأنيث الأدنى ، ولا يستعمل تأنيثه إلاّ بالألف واللام أو بالإضافة وأما قول عمر فيحتمل أن يكون من تحريف الرواة .

ومعنى { ولا يفلح } لا يظفر ببغيته { حيث أتى } أي حيث توجه وسلك .

وقالت فرقة معناه أن الساحر يقتل حيث تقف وهذا جزاء من عدم الفلاح .