معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ} (41)

قوله تعالى : { إن الذين كفروا بالذكر } بالقرآن ، { لما جاءهم } ثم أخذ في وصف الذكر وترك جواب : { إن الذين كفروا } ، على تقدير : الذين كفروا بالذكر يجأرون بكفرهم . وقيل : خبره قوله من بعد : { أولئك ينادون من مكان بعيد } . { وإنه لكتاب عزيز } قال الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما : كريم علي : قال قتادة : أعزه الله عز وجل فلا يجد الباطل إليه سبيلاً . وهو قوله{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ} (41)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ لَمّا جَآءَهُمْ وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين جحدوا هذا القرآن وكذّبوا به لما جاءهم ، وعنى بالذكر القرآن ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بالذّكْرِ لَمّا جاءَهُمْ كفروا بالقرآن .

وقوله : وَإنّهُ لَكِتاب عَزِيزٌ يقول تعالى ذكره : وإن هذا الذكر لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه ، وحفظه من كلّ من أراد له تبديلاً ، أو تحريفا ، أو تغييرا ، من إنسي وجني وشيطان مارد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإنّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ يقول : أعزّه الله لأنه كلامه ، وحفظه من الباطل .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَإنّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ قال : عزيز من الشيطان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ} (41)

ثم قال تعالى : { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم } . يريد قريشاً . و«لذكر » : القرآن بإجماع . واختلف الناس في الخبر عنهم أين هو ؟ فقالت فرقة : هو في قوله : { أولئك ينادون من مكان بعيد }{[10088]} ذكر النقاش أن بلال بن أبي بردة{[10089]} سأل عن هذا في مجلسه وقال : لم أجد لها نفاذاً ، فقال له أبو عمرو بن العلاء{[10090]} : إنه منك لقريب { أولئك ينادون } [ فصلت : 44 ] . ويرد هذا النظر كثرة الحائل ، وإن هنالك قوماً قد ذكروا بحسن رد قوله : { أولئك ينادون } [ فصلت : 44 ] عليهم . وقالت فرقة : الخبر مضمر تقديره : { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم } هلكوا أو ضلوا . وقال بعض نحويي الكوفة الجواب في قوله : { وإنه لكتاب عزيز } حكى ذلك الطبري ، وهو ضعيف لا يتجه ، وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن هذا ، فقال عمرو معناه في التفسير : { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم } كفروا به { وإنه لكتاب } ، فقال عيسى بن عمر : أجدت يا أبا عثمان .

قال القاضي أبو محمد : والذي يحسن في هذا هو إضمار الخبر ، ولكنه عند قوم في غير هذا الموضع الذي قدره هؤلاء فيه ، وإنما هو بعد { حكيم حميد } وهو أشد إظهاراً لمذمة الكفار به ، وذلك أن قوله : { وإنه لكتاب } داخل في صفة الذكر المكذب به ، فلم يتم ذكر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه ، وهذا كما تقول : تخالف زيداً وهو العالم الودود الذي من شأنه ومن أمره ، فهذه كلها أوصاف .

ووصف تعالى الكتاب بالعزة ، لأنه بصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه ، وهو محفوظ من الله تعالى ، قال ابن عباس : معناه كريم على الله تعالى ، قال مقاتل : منيع من الشيطان . قال السدي : غير مخلوق .


[10088]:ستأتي في الآية (44).
[10089]:هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قاضي البصرة، مقل، قال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في تقريب التهذيب: (من الخامسة، مات سنة نيف وعشرين).
[10090]:أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان المازني النحوي، اسمه زيان، أو يحيى، أو العريان، أو جزء، قال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في تقريب التهذيب: ثقة، من علماء العربية، من الخامسة، مات سنة أربع وخمسين وهو ابن ست وثمانين سنة.