الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ} (41)

ثم قال تعالى : { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم } يعني القرآن .

وخبر ( إنَّ ) عند الكسائي قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل ( إنَّ ) وهو قوله : ( أفمن يلقى في النار ) ونحوه{[60471]} .

وقيل : الخبر : { أولئك ينادون من مكان بعيد }[ 43 ]{[60472]} .

وقيل : الخبر محذوف ، والتقدير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم خسروا وكفروا بمعجزه{[60473]} ، ونحوه .

ودل على هذا اللفظ قوله : { وإنه لكتاب عزيز }( وهذا مذهب الفراء{[60474]} .

وقيل : التقدير في المحذوف : أهلكوا{[60475]} .

ومعنى الآية : إن الذين جحدوا بهذا القرآن وكذبوا بما فيه خسروا أخراهم ، وإن القرآن لكتاب عزيز ){[60476]} بإعزاز الله عز وجل إياه وحفظه له من كل من أراد به تبديلا أو تحريفا .

قال قتادة : وإنه لكتاب عزيز أعزه الله لأنه كلامه وحفظه من الباطل{[60477]} .

وقيل : معنى النفي في ( هذه : التكثير ){[60478]} . والمعنى : لا يأتيه الباطل البتة .

وقال الطبري : معناه : لا يقدر ( ذو باطل بكيده{[60479]} بتغيير ولا تبديل ، وذلك هو الإتيان من بين يديه . ومعنى : ( ولا من خلفه ) ، أي : ولا يستطيع ذو باطل أن يلحق فيه{[60480]} ) ما ليس فيه{[60481]} .

وقيل : المعنى : لم يتقدمه كتاب يبطله ، ولن يأتي بعده كتاب يخالفه{[60482]} . وهذا قول حسن .

ثم قال تعالى { تنزيل من حكيم حميد } أي : من عند ذي حكمة بتدبيره وعباده ، محمود على نعمه على خلقه .

ثم قال تعالى : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } .

هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم على ما قابله به المشركون من قولهم : كذاب وساحر ومجنون{[60483]} ونحو ذلك . فأعلمه الله جل ذكره أن الذي قابلوه به{[60484]} من التكذيب والقول القبيح قد قابلت الأمم قبله رسلها بمثل ذلك فصبروا حتى جاء نصر الله فكذلك يجب عليك يا محمد أن تصبر .

وقيل : عزيز ، أي قاهر لا يقدر أحد أن يأتي بمثله .


[60471]:انظر: إعراب النحاس 4/64. وورد في المحرر الوجيز 14/191 مجهول القائل.
[60472]:ورد هذا القول مجهول القائل في مشكل إعراب القرآن 2/642، وإعراب النحاس 4/64، والمحرر الوجيز 14/191، وجامع القرطبي 15/367. وصاحبه هو الفراء في معانيه 3/19، والأخفش في معانيه 2/684.
[60473]:(ح): بمعجز.
[60474]:انظر: مشكل إعراب القرآن 2/642، وإعراب النحاس 4/64.
[60475]:انظر: إعراب النحاس 4/64.
[60476]:ساقط من (ت).
[60477]:انظر: جامع البيان 24/79. والمؤلف نقل النص بالمعنى. [المدقق].
[60478]:(ت): كثير.
[60479]:(ح): يكبره وفي (ت) بكيده ولما رجعت إلى تفسير الطبري وجدت الكلمة (بكيده) فأثبتها في الأصل، وأنزلت كلمة (يكبره) إلى الحاشية. [المدقق].
[60480]:في طرة (ت).
[60481]:انظر: جامع البيان 24/79.
[60482]:قال بهذا المعنى ابن سلام في التصاريف 295، والزجاج في معانيه 4/388.
[60483]:ح: مجنون.
[60484]:ساقط من (ت).