الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ} (41)

قوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } : في خبرها ستةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه مذكورٌ وهو قولُه : " أولئك ينادَوْن " . وقد سُئِل بلال بن أبي بردة عن ذلك في مَحْكِيَّتِه فقال : لا أجدُ لها نفاذاً . فقال له أبو عمرو بن العلاء : إنَّه منك لقَريبٌ ، أولئك ينادَوْن . وقد اسْتُبْعِدَ هذا من وجهَيْن ، أحدُهما : كثرةُ الفواصلِ . والثاني : تقدُّمُ مَنْ تَصِحُّ الإِشارةُ إليه بقوله : " أولئك " ، وهو قولُه : { وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، واسمُ الإِشارةِ يعودُ على أقربِ مذكورٍ .

والثاني : أنه محذوفٌ لفَهْمِ المعنى وقُدِّر : مُعَذَّبون ، أو مُهْلَكون ، أو معانِدون . وقال الكسائي : " سَدَّ مَسَدَّه ما تقدَّم من الكلامِ قبلَ " إنَّ " وهو قولُه : { أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ } . قلت : يعني في الدلالةِ عليه والتقديرُ : يُخَلَّدون في النارِ . وسأل عيسى بن عمر عمرَو بن عبيدٍ عن ذلك فقال : معناه في التفسير : إنَّ الذين كفروا بالذكْرِ لَمَّا جاءهم كفروا به . فقدَّر الخبرَ مِنْ جنسِ الصلةِ . وفيه نظرٌ ؛ من حيث اتحادُ الخبرِ والمخبرِ عنه في المعنى من غيرِ زيادةِ فائدةٍ نحو : " سيدُ الجاريةِ مالكُها " .

الثالث : أنَّ " الذين " الثانيةَ بدلٌ مِنْ " إنَّ الذين " الأولى ، والمحكومُ به على البدلِ محكومٌ به على المبدلِ منه فيلزَمُ أَنْ يكونَ الخبرُ { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } . وهو منتزَعٌ من كلامِ الزمخشري .

الرابع : أنَّ الخبرَ قولُه : { لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ } والعائدُ محذوفٌ تقديره : لا يأتيه الباطلُ منهم نحو : السَّمْنُ مَنَوان بدرهم أي : مَنَوان منه . أو تكون أل عوضاً من الضمير في رأيِ الكوفيين تقديرُه : إنَّ الذين كفروا بالذِّكر لا يأتيه باطلُهم .

الخامسُ : أنَّ الخبرَ قولُه : { مَّا يُقَالُ لَكَ } ، والعائدُ محذوفٌ أيضاً تقديرُه : إنَّ الذين كفروا بالذكرِ ما يُقال لك في شَأنِهم إلاَّ ما قد قيل للرسلِ مِنْ قبلِك . وهذان الوجهان ذهب إليهما الشيخُ .

السادس : ذهب إليه بعضُ الكوفيين أنه قولُه : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } وهذا غيرُ متعقَّلٍ .

والجملةُ مِنْ قوله : " وإنَّه لكتابٌ " حاليةٌ ، و { لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ } صفةٌ ل " كتاب " . و " تنزيلٌ " خبرُ مبتدأ محذوفٍ ، أو صفةٌ ل " كتابٌ " على أنَّ " لا يأتيه " معترِضٌ أو صفةٌ كما تقدَّم على رأي مَنْ يجوِّزُ تقديمَ غيرِ الصريح من الصفاتِ على الصريح . وتقدَّم تحقيقُه في المائدة . و " مِنْ حكيمٍ " صفةٌ ل " تَنْزيلٌ " أو متعلقٌ به . و " الباطلُ " اسمُ فاعلٍ . وقيل : مصدرٌ كالعافية والعاقبة .

قوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ } : قيل : هو مُفَسِّر للمقولِ كأنه قيل : قيل للرسل : إنَّ ربَّك لَذو/ . وقيل : هو مستأنفٌ .