معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ} (73)

قوله تعالى : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } يقتدى بهم في الخيرات . يهدون بأمرنا يدعون الناس إلى ديننا ، { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } يعني :العمل بالشرائع ، { وإقام الصلاة } يعني : المحافظة عليها ، { وإيتاء الزكاة } إعطاءها { وكانوا لنا عابدين } موحدين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ} (73)

وقوله : وَجَعَلْناهُمْ أئمّةً يَهْدُونَ بأمْرِنا يقول تعالى ذكره : وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أئمة يؤتمّ بهم في الخير في طاعة الله في اتباع أمره ونهيه ، ويُقْتَدَى بهم ، ويُتّبَعون عليه . كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَجَعَلْناهُمْ أئمّةً يَهْدُونَ بأمْرِنا جعلهم الله أئمة يُقتدى بهم في أمر الله . وقوله : يَهْدُونَ بأمْرِنا يقول : يهدون الناس بأمر الله إياهم بذلك ، ويدعونهم إلى الله وإلى عبادته .

وقوله : وأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ يقول تعالى ذكره : وأوحينا فيما أوحينا أن افعلوا الخيرات ، وأقيموا الصلاة بأمرنا بذلك . وكانُوا لَنا عابِدِينَ يقول : كانوا لنا خاشعين ، لا يستكبرون عن طاعتنا وعبادتنا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ} (73)

{ وجعلناهم أئمة } يقتدى بهم . { يهدون } الناس إلى الحق . { بأمرنا } لهم بذلك وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين . { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } ليحثوهم عليها فيتم كمالها بانضمام العمل إلى العلم ، وأصله أن تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات ثم { فعل الخيرات } وكذلك قوله : { وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة } وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل ، وحذفت تاء الإقامة المعوضة من إحدى الألفين لقيام المضاف إليه مقامها . { وكانوا لنا عابدين } موحدين مخلصين في العبادة ولذلك قدم الصلة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ} (73)

إعادة فعل « جعل » في قوله تعالى : { وجعلناهم أيمة يهدون بأمرنا } دون أن يقال : وأيمةً يهْدُون ، بعطف { أيمة } على { صالحين ، } اهتماماً بهذا الجعل الشريف ، وهو جعلهم هادين للناس بعد أن جعلهم صالحين في أنفسهم فأعيد الفعل ليكون له مزيد استقرار .

ولأن في إعادة الفعل إعادة ذكر المفعول الأول فكانت إعادته وسيلة إلى إعادة ذكر المفعول الأول .

وفي تلك الإعادة من الاعتناء ما في الإظهار في مقام الإضمار كما يظهر بالذوق .

والأيمة : جمع إمام وهو القدوة والذي يُعمل كعمله . وأصل الإمام المثال الذي يصنع الشيء على صورته في الخير أو في الشر .

وجملة { يهدون } في موضع الحال مقيدة لمعنى الإمامة ، أي أنهم أيمة هُدى وإرشاد .

وقوله { بأمرنا } أي كانوا هادين بأمر الله ، وهو الوحي زيادة على الجعل . وفي « الكشاف » : « فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين الله فالهداية محتومة عليه مأمور هُو بها ليس له أن يخل بها ويتثاقل عنها .

وأول ذلك أن يهتدي بنفسه لأن الانتفاع بهداه أعم والنفوس إلى الاهتداء بالمهدي أميلُ » اه .

وهذا الهدي هو تزكية نفوس الناس وإصلاحها وبث الإيمان ويشمل هذا شؤون الإيمان وشُعبه وآدابه .

وأما قوله تعالى : { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } فذلك إقامة شرائع الدين بين الناس من العبادات والمعاملات . وقد شملها قوله تعالى { فعل الخيرات } .

و { فعل الخيرات } مصدر مضاف إلى { الخيرات } ، ويتعين أنه مضاف إلى مفعوله لأن الخيرات مفعولة وليست فاعلة فالمصدر هنا بمنزلة الفعل المبني للمجهول لأن المقصود هو مفعوله ، وأما الفاعل فتبع له ، أي أن يفعلوا هُم ويفعَلَ قومهم الخيرات ، حتى تكون الخيرات مفعولة للناس كلهم ، فحذف الفاعل للتعميم مع الاختصار لاقتضاء المفعول إياه .

واعتبارُ المصدر مصدراً لفعل مبني للنائب جائزٌ إذا قامت القرينة . وهذا ما يؤذن به صنيع الزمخشري . على أن الأخفش أجازه بدون شرط .

ويجوز أن يكون { فعل الخيرات } هو الموحى به ، أي وأوحينا إليهم هذا الكلام ، فيكون المصدر قائماً مقام الفعل مراداً به الطلب ، والتقدير : افعلوا الخيرات ، كقوله تعالى : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } [ محمد : 4 ] .

وتخصيص { إقام الصلاة وإيتاء الزكاة } بالذكر بعد شمول الخيرات إياهما تنويه بشأنهما لأن بالصلاة صلاح النفس إذ الصلاة تنهَى عن الفحشاء والمنكر ، وبالزكاة صلاحَ المجتمع لكفاية عوز المعوزين .

وهذا إشارة إلى أصل الحنيفية التي أرسل بها إبراهيم عليه السلام .

ومعنى الوحي بفعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة أنه أوحي إليهم الأمر بذلك كما هو بيّن .

ثم خصّهم بذكر ما كانوا متميزين به على بقية الناس من ملازمة العبادة لله تعالى كما دلّ عليه فعل الكَون المفيد تمكُّن الوصف ، ودلت عليه الإشارة بتقديم المجرور إلى أنهم أفردوا الله بالعبادة فلم يعبدوا غيره قط كما تقتضيه رتبة النبوءة من العصمة عن عبادة غير الله من وقت التكليف كما قال يوسف : { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } [ يوسف : 38 ] وقال تعالى في الثناء على إبراهيم : { وما كان من المشركين } [ البقرة : 135 ] .