وقوله :{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً } كما تقدم{[28993]} إلا أنه لم يتوسط العامل .
وقوله : { يَهْدُونَ } صفة ل «أئمةً » و «بأَمْرِنَا » متعلق ب «يَهْدُونَ » وقد تقدم التصريف المتعلق بلفظ «أَئِمَّة » وقراءة القراء فيها{[28994]} .
المعنى : «وَكُلاً » من إبراهيم وإسحاق ويعقوب «جَعَلْنَا صَالِحِينَ » .
قال الضحاك : أي : مرسلين{[28995]} ، وقال آخرون : عاملين{[28996]} بطاعة الله{[28997]} . { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً } يقتدى بهم في الخير «يَهْدُونَ » يدعون الناس إلى ديننا { بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات } أي : العمل بالشرائع . وقال أبو مسلم : المراد النبوة{[28998]} . { وَإِقَام الصَّلاَةِ } أي : وإقامة الصلاة ، يعني المحافظة . { وَإِيتَآءَ الزكاة وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } موحدين . دلَّت{[28999]} هذه الآية على أنَّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، لأنَّ قوله تعالى : { وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } يدل على أنّ الصلاح من قبله .
وأجاب الجبائي : بأنه لو كان كذلك لما وصفهم بكونهم «صَالِحِيْنَ » وبكونهم «أَئِمَّةٌ » وبكونهم «عَابِدَيْنَ » ، ولما مدحهم بذلك ، وإذا كان كذلك فلا بُدَّ من التأويل وهو من وجهين :
الأول : أنْ يكونَ المراد أنه تعالى أتاهم من لطفه وتوفيقه ما صلحوا به .
والثاني : أنَّ المراد تسميتهم بذلك كما يقال : زيد فسق فلاناً وكفره ، إذا وصفه بذلك وكان مصدقاً عند الناس ، وكما يقال في الحاكم زكى فلاناً ، وعدله ، وجرحه ، إذا حكم بذلك . والجواب : المعارضة بمسألة العلم والداعي{[29000]} ، وأما الحمل على اللطف فباطل ، لأنَّ فعل الإلطاف عام في المكلفين ، فلا بُدَّ في هذا التخصيص من مزيد فائدة ، ولأنّ قوله : جعلته صالحاً كقولك : جعلته متحركاً ، فحمله على تحصيل شيء سوى الصلاح ترك للظاهر . وأما الحمل على التسمية فمحال ، لأنّ ذلك إنما يصار إليه إلا عند الضرورة في بعض المواضع ، ولا ضرورة ههنا إلا أن يرجعوا مرة أخرى إلى فصل المدح والذم وحينئذ نرجع إلى مسألتي الداعي والعلم{[29001]} .
قوله : { فِعْلَ الخَيْرَاتِ } قال الزمخشري : أصله أنْ تفعل الخيرات ، ثم فعلا الخيرات ، ( ثم فعل الخيرات ) {[29002]} وكذلك { إِقَامَ الصلاة وَإِيتَآءَ الزكاة }{[29003]} .
قال أبو حيَّان : كأنَّ الزمخشري لما رأى أنَّ فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليس من الأحكام المختصة بالموحي إليهم ، بل هم وغيرهم في ذلك مشتركون بنى الفعل للمفعول حتى لا يكون المصدر مضافاً من حيث المعنى إلى ضمير الموحى إليهم ، فلا يكون فعلهم الخيرات وإقامتهم الصلاة وإيتاؤهم الزكاة ، ولا يلزم ذلك إذ الفاعل مع المصدر محذوف{[29004]} . ويجوز أنْ يكونَ من حيث المعنى مضافاً إلى ظاهر محذوف يشمل الموحى إليهم وغيرهم ، والتقدير : فعل المكلفين{[29005]} الخيرات . ويجوز أن يكون مضافاً إلى ضمير الموحى إليهم أي : أن يفعلوا الخيرات ويقيموا الصلاة ويؤتوا{[29006]} الزكاة ، وإذا كانوا هم{[29007]} قد أوحى إليهم ذلك فأتباعهم جارون مجراهم في ذلك ، ولا يلزم اختصاصهم به . ثم اعتقاد بناء المصدر للمفعول مختلف فيه أجاز ذلك الأخفش ، والصحيح منعه{[29008]} ، فليس ما اختاره الزمخشري بمختار{[29009]} . قال شهاب الدين : الذي يظهر أنّ الزمخشري لم يقدر هذا التقدير الذي ذكره الشيخ حتى يلزمه ما قاله بل إنما قدّر ذلك ، لأن نفس الفعل الذي هو معنى صادر من فاعله لا يوحى إنما يوحى ألفاط تدل عليه فكأنه قيل : وأوحينا هذا اللفظ وهو أن نفعل الخيرات ، ثم صاغ ذلك الحرف المصدري مع ما بعده منوناً ناصباً لما بعده ، ثم جعله مصدراً مضافاً لمفعوله{[29010]} .
وقال ابن عطية : والإقام مصدر وفي هذا نظر{[29011]} انتهى ، يعني ابن عطية بالنظر أن مصدر ( أفعل ) على ( الإفعال ) ، فإنْ كان صحيح العين جاء{[29012]} تاماً كالإكرام ، وإنْ كان معتلها حذف منه إحدى الألفين ، وعوض منه تاء التأنيث{[29013]} فيقال : إقامة ، فلما{[29014]} نقل كذلك جاء فيه النظر المذكور .
قال أبو حيان : وأي نظر في هذا ، وقد نص سيبويه على أنه مصدر بمعنى الإقامة{[29015]} وإن كان الأكثر الإقامة بالتاء ، وهو المقيس في مصدر ( أفعل ) إذا اعتلت عينه ، وحسن ذلك أنه قابل : { وَإِيتَاءَ الزَّكاة } وهو بغير تاء فتقع الموازنة بين قوله { وَإِقَامَ الصلاة وَإِيتَآءَ الزكاة } . وقال الزجاج : حذف التاء من إقامة ، لأنَّ الإضافة عوض عنها{[29016]} . وهذا قول الفراء زعم أنَّ التاء تحذف للإضافة كالتنوين{[29017]} {[29018]} .
وقد تقدم بسط القول في ذلك عند قراءة من قرأ في براءة " عُدّة ولكن كَرِه " {[29019]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.