السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ} (73)

ثم لما ذكر أنه تعالى أعطاهم رتبة الصلاح في أنفسهم ذكر أنه تعالى أعطاهم رتبة لإصلاح لغيرهم ، فقال تعالى معظماً لإمامتهم : { وجعلناهم أئمة } أي : أعلاماً ومقاصد يقتدى بهم في الدين لما آتيناهم من العلم والنبوّة ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية المكسورة بين الهمزة والياء ، ويجوز إبدالها عندهم ياء خالصة ولا يدخلون بينهما شيئاً وقرأ هشام بتحقيق الهمزتين وإدخال ألف بينهما بخلاف عنه في الإدخال وعدمه ، والباقون بتحقيق الهمزتين من غير إدخال بلا خلاف { يهدون } أي : يدعون إلينا من وفقناه للهداية { بأمرنا } أي : بإذننا { وأوحينا إليهم } أيضاً { فعل } أي : أن يفعلوا { الخيرات } ليحثوهم عليها ، فيتم كمالهم بانضمام العلم إلى العمل ، قال البقاعي : ولعله تعالى عبّر بالفعل دلالة على أنهم امتثلوا كل ما يوحي إليهم ، وقال الزمخشري : أصله أن تفعل الخيرات ، ثم فعلا الخيرات ، ثم فعل الخيرات ، وكذلك إقام الصلاة وإيتاء الزكاة انتهى . وقوله تعالى : { وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة } من عطف الخاص على العام تعظيماً لشأنهما ؛ لأن الصلاة تقرب العبد إلى الحق تعالى ، والزكاة إحسان إلى الخلق ، قال الزجاج : الإضافة في الصلاة عوض عن تاء التأنيث يعني : فيكون من الغالب لا من القليل { وكانوا لنا } دائماً جبلة وطبيعة { عابدين } أي : موحدين مخلصين في العبادة ولذلك قدَّم الصلة .