مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ} (73)

النعمة الثالثة : قوله تعالى : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } وفيه قولان : أحدهما : أي جعلناهم أئمة يدعون الناس إلى دين الله تعالى والخيرات بأمرنا وإذننا . الثاني : قول أبي مسلم أن هذه الإمامة هي النبوة ، والأول أولى لئلا يلزم التكرار ، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أمرين : أحدهما : على خلق الأفعال بقوله : { وجعلناهم أئمة } وتقريره ما مضى . والثاني : على أن الدعوة إلى الحق والمنع عن الباطل لا يجوز إلا بأمر الله تعالى لأن الأمر لو لم يكن معتبرا لما كان في قوله بأمرنا فائدة .

النعمة الرابعة : قوله تعالى : { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } وهذا يدل على أنه سبحانه خصهم بشرف النبوة وذلك من أعظم النعم على الأب ، قال الزجاج : حذف الهاء من إقامة الصلاة لأن الإضافة عوض عنه ، وقال غيره : الإقام والإقامة مصدر ، قال أبو القاسم الأنصاري : الصلاة أشرف العبادات البدنية وشرعت لذكر الله تعالى ، والزكاة أشرف العبادات المالية ومجموعهما التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله ، واعلم أنه سبحانه وصفهم أولا بالصلاح لأنه أول مراتب السائرين إلى الله تعالى ثم ترقى فوصفهم بالإمامة . ثم ترقى فوصفهم بالنبوة والوحي . وإذا كان الصلاح الذي هو العصمة أول مراتب النبوة دل ذلك على أن الأنبياء معصومون فإن المحروم عن أول المراتب أولى بأن يكون محروما عن النهاية ، ثم إنه سبحانه كما بين أصناف نعمه عليهم بين بعد ذلك اشتغالهم بعبوديته فقال : { وكانوا لنا عابدين } كأنه سبحانه وتعالى لما وفى بعهد الربوبية في الإحسان والإنعام فهم أيضا وفوا بعهد العبودية وهو الاشتغال بالطاعة والعبادة .