معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ} (65)

قوله تعالى : { لو نشاء لجعلناه حطاماً } قال عطاء : تبناً لا قمح فيه ، وقيل : هشيماً لا ينتفع به في مطعم وغذاء ، { فظلتم } وأصله : فظللتم ، حذفت إحدى اللامين تخفيفاً . { تفكهون } تتعجبون بما نزل بكم في زرعكم ، وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل . وقيل تندمون على نفقاتكم ، وهو قول يمان ، نظيره : { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها }( الكهف- 42 ) ، وقال الحسن : تندمون على ما سلف منكم من المعصية التي أوجبت تلك العقوبة . وقال عكرمة : تتلاومون . وقال ابن كيسان : تحزنون . قال الكسائي : هو تلهف على ما فات ، وهو من الأضداد ، تقول العرب : تفكهت أي : تنعمت وتفكهت أي : حزنت .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ} (65)

القول في تأويل قوله تعالى : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ * إِنّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } .

يقول تعالى ذكره : لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حُطاما ، يعني هشيما لا يُنتفع به في مطعم وغذاء .

وقوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تعجبون .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تعجبون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تعجبون .

وقال آخرون : معنى ذلك : فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم جلّ ثناؤه ، حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، في قوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ يقول : تلاومون .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب البكري ، عن عكرِمة فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تلاومون .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجب لكم عقوبته ، حتى نالكم في زرعكم ما نالكم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن فَظَلْتُمْ تَتَفكّهُونَ قال : تندمون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال تندمون .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تعجبون . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال : تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ إنّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُمونَ وقرأ قول الله : وَإَذَا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمْ انْقَلَبُوا فَكِهِين قال : هؤلاء ناعمين ، وقرأ قول الله جل ثناؤه : فأخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ . . . إلى قوله : كانُوا فِيها فاكِهِينَ .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى فَظَلْتُم : فأقمتم تعجبون مما نزل بزرعكم وأصله من التفكه بالحديث إذا حدّث الرجلُ الرجلَ بالحديث يعجب منه ، ويلهى به ، فكذلك ذلك . وكأن معنى الكلام : فأقمتم تتعجبون يُعَجّب بعضكم بعضا مما نزل بكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ} (65)

لو نشاء لجعلناه حطاما هشيما فظلتم تفكهون تعجبون أو تندمون على اجتهادكم فيه أو على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه والفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث وقرئ فظلتم بالكسر وفظللتم على الأصل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ} (65)

جملة { لو نشاء لجعلناه حطاماً } ، موقعها كموقع جملة : { نحن قدّرنا بينكم الموت } [ الواقعة : 60 ] في أنها استدلال بإفنائه ما أوجده على انفراده بالتصرف إيجاداً وإعداماً ، تكلمة لدليل إمكان البعث .

واللام في قوله : { لجعلناه } مفيدة للتأكيد . ويكثر اقتران جواب ( لو ) بهذه اللام إذا كان ماضياً مثبتاً كما يكثر تجرده عنها كما سيجيء في الآية الموالية لهذه .

والحُطام : الشيء الذي حَطمه حاطم ، أي كَسره ودقّه فهو بمعنى المحطوم ، كما تدل عليه زنة فُعال مثل الفُتات والجُذاد والدُقاق ، وكذلك المقترن منه بهاء التأنيث كالقُصاصة والقُلاَمة والكُناسة والقُمامة .

والمعنى : لو نشاء لجعلنا ما ينبت بعد خروجه من الأرض حُطاماً بأن نسلط عليه ما يحطمه من بَرَد أو ريح أو حشرات قبل أن تنتفعوا به ، فالمراد جعله حطاماً قبل الانتفاع به . وأما أن يُؤول إلى الكَون حطاماً فذلك معلوم فلا يكون مشروطاً بحرف ( لو ) الامتناعية .

وقوله : { فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون } تفريع على جملة { لجعلناه حطاماً } أي يتفرع على جعله حطاماً أن تصيروا تقولون : إنا لمغرمون بل نحن محرومون ، ففعل ( ظَلّتُم ) هنا بمعنى : صرتم ، وعلى هذا حَمَله جميع المفسرين .

وأعضل وَقْع فعل { تفكهون } ، فعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد : تفكهون تعجبون ، وعن عكرمة : تتلاومون ، وعن الحسن وقتادة : تندمون ، وقال ابن كيسان : تحزنون ، وقال الكسائي : هو تلهف على ما فات ، وهو أي فعل { تفكهون } من الأضداد تقول العرب : تفكهت ، أي تنعمت ، وتفكهتُ ، أي حزِنتُ اهـ .

ذلك أن فعل { تفكهون } من مادة فَكِه والمشهور أن هذه المادة تدل على المسرة والفرح ولكن السياق سياق ضد المسرة ، وبيانه بقوله : { إنا لمغرمون بل نحن محرومون } يؤيد ذلك ، فالفُكاهة : المسرة والانبساط ، وادعى الكسائي أنها من أسماء الأضداد واعتمده في « القاموس » إذ قال : وتفكه ، أكل الفاكهة وتجنب عن الفاكهة ضده . قال ابن عطية : وهذا كله أي ما روي عن ابن عباس وغيره في تفسير { فظلتم تفكهون } لا يخص اللفظة ( أي هو تفسير بحاصل المعنى دون معاني الألفاظ ) والذي يخص اللفظة هو تطرحون الفاكهة ( كذا ولعل صوابه الفكاهة ) عن أنفسكم وهي المسرة والجذل ، ورجل فَكِه ، إذا كان منبسط النفس غير مكترث بشيء اه . يعني أن صيغة التفعُّل فيه مطاوعة فعَّل الذي تضعيفه للإزالة مثل قَشَّر العود وقَرَّد البعير وأثبت صاحب « القاموس » هذا القول ونسبه إلى ابن عطية .