معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ} (36)

قوله تعالى :{ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا } أي : لا يهلكون فيستريحوا كقوله عز وجل : { فوكزه موسى فقضى عليه } أي : قتله . وقيل : لا يقضي عليهم الموت فيموتوا ، كقوله : { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } أي : ليقض علينا الموت فنستريح ، { ولا يخفف عنهم من عذابها } من عذاب النار ، { كذلك نجزي كل كفور } كافر ، قرأ أبو عمرو : يجزى بالياء وضمها وفتح الزاي ، كل رفع على غير تسمية الفاعل ، وقرأ الآخرون بالنون وفتحها وكسر الزاي ، كل نصب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ} (36)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَىَ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مّا يَتَذَكّرُ فِيهِ مَن تَذَكّرَ وَجَآءَكُمُ النّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظّالِمِينَ مِن نّصِيرٍ } .

يقول تعالى ذكره : وَالّذِينَ كَفَرُوا بالله ورسوله لَهُمْ نارُ جَهَنّمَ يقول : لهم نار جهنم مخلّدين فيها ، لا حظّ لهم في الجنة ولا نعيمها ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ بالموت فيموتوا ، لأنهم لو ماتوا لاستراحوا .

وَلا يُخَفّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها يقول : ولا يخفف عنهم من عذاب نار جهنم بإماتتهم ، فيخفف ذلك عنهم ، كما :

حدثني مُطرّف بن عبد الله الضّبّي ، قال : حدثنا أبو قُتيبة ، قال : حدثنا أبو هلال الراسبيّ ، عن قتادة عن أبي السوداء ، قال : مساكين أهل النار لا يموتون ، لو ماتوا لاستراحوا .

حدثني عقبة عن سنان القزاز ، قال : حدثنا غَسان بن مضر ، قال : حدثنا سعيد بن يزيد وحدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن سعيد بن يزيد وحدثنا سَوّار بن عبد الله ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا أبو سَلَمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمّا أهْلُ النّارالّذِينَ هُمْ أهْلُها فإنّهُمْ لا يَمُوتُونَ فِيها ولا يَحْيَوْنَ ، لكنّ ناسا أو كما قال تُصِيبُهُمْ النّارُ بِذُنُوبِهِمْ ، أو قال : بِخَطاياهُمْ ، فَيُمِيتُهُمْ إماتَةً حتى إذَا صَارُوا فَحْما أَذِنَ فِي الشّفاعَةِ ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبائِرَ ، فَبُثّوا على أهْلِ الجَنّةِ ، فَقالَ : يا أهلَ الجَنّةِ أفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتونَ كمَا تَنْبُتُ الحَبّةُ فِي حَمِيلِ السّيْلِ » فقال رجل من القوم حينئذٍ : كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية .

فإن قال قائل : وكيف قيل : ولاَ يخَفّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِهَا وقد قيل في موضع آخر : كُلّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا ؟ قيل : معنى ذلك : ولا يخفف عنهم من هذا النوع من العذاب .

وقوله : كَذَلكَ نَجْزِي كُلّ كَفُورٍ يقول تعالى ذكره : هكذا يكافىء كلّ جحود لنعم ربه يوم القيامة ، بأن يدخلهم نار جهنم بسيئاتهم التي قدّموها في الدنيا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ} (36)

{ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم } لا يحكم عليهم بموت ثان . { فيموتوا } فيتسريحوا ، ونصبه بإضمار أن وقرئ " فيموتون " عطفا على { يقضى } فقوله تعالى : { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } . { ولا يخفف عنهم من عذابها } بل كلما خبت زيد إسعارها . { كذلك } مثل ذلك الجزاء . { نجزي كل كفور } مبالغ في الكفر أو الكفران ، وقرأ أبو عمرو " يجزى " على بناء المفعول وإسناده إلى { كل } ، وقرى " يجازي " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ} (36)

ثم أخبر عن حال { الذين كفروا } معادلاً بذلك الإخبار قبل عن الذين اصطفى ، وهذا يؤيد تأويل من قبل إن الأصناف الثلاثة هي كلها في الجنة لأن ذكر الكافرين إنما جاء ها هنا ، وقوله { لا يقضى } معناه لا يجهز لأنهم لو ماتوا لبطلت حواسهم فاستراحوا ، وقرأ الحسن البصري والثقفي «فيموتون » ووجهها العطف على { يقضى } وهي قراءة ضعيفة{[9738]} .

وقوله { لا يخفف عنهم من عذابها } لا يعارضه قوله { كلما خبت زدناهم سعيراً }{[9739]} [ الإسراء : 97 ] لأن المعنى لا يخفف عنهم نوع عذابهم والنوع في نفسه يدخله أن يخبو أو يسعر ونحو ذلك ، وقرأ جمهور القراء ، «نجزي » بنصب «كلَّ » وبالنون في «نجزي » ، وقرأ أبو عمرو ونافع «يُجزى » بضم الياء على بناء الفعل للمفعول «كلُّ كفور » برفع «كلُّ » .


[9738]:أما قراءة الجمهور(فيموتوا) فهي بحذف النون نصبا في جواب النفي في قوله سبحانه:{لا يقضى عليهم}، وهو على أحد معنيي النصب، فالمعنى: انتفى القضاء عليهم فانتفى المسبب عنه، أي: لا يقضى عليهم ولا يموتون، كقولك: ما تأتينا فتحدثنا، أي: ما يكون حديث، انتفى الإتيان فانتفى الحديث، ولا يصح أن يكون النصب على المعنى الثاني للنصب، أي: ما تأتينا محدثا، إنما تأتي ولا تحدث، وكذلك في الآية ليس المعنى: لا يقضى عليهم ميتين، إنما يقضى عليهم ولا يموتون.(راجع البحر المحيط).
[9739]:من الآية (97) من سورة(الإسراء).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ} (36)

مقابلة الأقسام الثلاثة للذين أُورثوا الكتاب بذكر الكافرين يزيدنا يقيناً بأن تلك الأقسام أقسام المؤمنين ، ومقابلة جزاء الكافرين بنار جهنم يوضح أن الجنة دار للأقسام الثلاثة على تفاوت في الزمان والمكان .

وفي قوله تعالى في الكفار : { ولا يخفف عنهم من عذابها } إيماء إلى أن نار عقاب المؤمنين خفيفة عن نار المشركين .

فجملة { والذين كفروا } معطوفة على جملة { جنات عدن يدخلونها } [ فاطر : 33 ] .

ووقع الإِخبار عن نار جهنم بأنها { لهم } بلام الاستحقاق للدلالة على أنها أعدت لجزاء أعمالهم كقوله تعالى : { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } في سورة البقرة ( 24 ) وقوله : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } في سورة آل عمران ( 131 ) ، فنار عقاب عصاة المؤمنين نار مخالفة أو أنها أعدت للكافرين .

وإنما دخل فيها من أدخل من المؤمنين الذين ظلموا أنفسهم لاقترافهم الأعمال السيئة التي شأنها أن تكون للكافرين .

وقدم المجرور في لهم نار جهنم } على المسند إليه للتشويق إلى ذكر المسند إليه حتى إذا سمعه السامعون تمكن من نفوسهم تمام التمكن .

وجملة { لا يقضى عليهم } بدل اشتمال من جملة { لهم نار جهنم } ، والقضاء : حقيقته الحكم ، ومنه قضاء الله حكمه وما أوجده في مخلوقاته . وقد يستعمل بمعنى أماته كقوله تعالى : { فوكزه موسى فقضى عليه } [ القصص : 15 ] . وهو هنا محتمل للحقيقة ، أي لا يقدرُ الله موتهم ، فقوله : { فيموتوا } مسبب على القضاء . والمعنى : لا يقضى عليهم بالموت فيموتوا ، ومحتمل للمجاز وهو الموت . وتفريع { فيموتوا } على هذا الوجه أنهم لا يموتون إلا الإِماتة التي يتسبب عليها الموت الحقيقي الذي يزول عنده الإِحساس ، فيفيد أنهم يُماتون مَوتاً ليس فيه من الموت إلا آلامه دون راحته ، قال تعالى : { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون } [ الزخرف : 77 ] وقال تعالى : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } [ النساء : 56 ] .

وضمير { عذابها } عائد إلى جهنم ليشمل ما ورد من أن المعذبين يعذبون بالنار ويعذبون بالزمهرير وهو شدة البرد وكل ذلك من عذاب جهنم .

ووقع { كذلك } موقع المفعول المطلق لقوله : { نجزي } أي نجزيهم جزاء كذلك الجزاء ، وتقدم عند قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } في سورة البقرة ( 143 ) .

وجملة { كذلك نجزي كل كفور } تذييل . والكفور : الشديد الكفر ، وهو المشرك .

وقرأ الجمهور { نجزي } بنون العظمة ونصب { كل } . وقرأه أبو عمرو وحده { يُجزَى } بياء الغائب والبناء للنائب ورفع { كل } .