السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ} (36)

ولما بين تعالى ما هم فيه من النعمة في دار السرور التي قال فيها القائل :

علياء لا تنزل الأحزان ساحتها *** لو مسها حجر مسته سراء

بين ما لأعدائهم من النقمة زيادة في سرورهم بما قاسوا في الدنيا من تكبرهم عليهم وفخارهم بقوله تعالى : { والذين كفروا } أي : ستروا ما دلت عليه عقولهم من شموس الآيات وأنوار الدلالات { لهم نار جهنم } أي : بما تجهموا أولياء الله الدعاة إليه { لا يقضي } أي : يحكم { عليهم } أي : بموت ثان { فيموتوا } أي : فيتسبب عن القضاء موتهم فيستريحوا كقوله تعالى { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } ( الزخرف : 77 ) أي : بالموت فنستريح بل العذاب دائم .

تنبيه : نصب فيموتوا بإضمار أن .

ولما كانت الشدائد في الدنيا تنفرج وإن طال أمدها قال تعالى : { ولا يخفف عنهم } وأعرق في النفي بقوله تعالى : { من عذابها } أي : جهنم .

تنبيه : في الآية الأولى أن العذاب في الدنيا إن دام قتل وإن لم يقتل يعتاده البدن ويصير مزاجاً فاسداً لا يحس به المعذب فقال : عذاب نار الآخرة ليس كعذاب الدنيا إما أن يفنى وإما أن يألفه البدن بل هو في كل زمان شديد والمعذب فيه دائم .

الثانية : وصف العذاب بأنه لا يفتر ولا ينقطع ولا بأقوى الأسباب وهو الموت حتى يتمنوه ولا يجابون كما قال تعالى { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } ( الزخرف : 77 )

أي : بالموت .

الثالثة ، ذكر في المعذبين الأشقياء أنه لا ينقضي عذابهم ولم يقل تعالى : نزيدهم عذاباً وفي المثابين قال تعالى { ويزيدهم من فضله } ( النور : 38 ) وقوله تعالى { كذلك } إما مرفوع المحل أي : الأمر كذلك وإما منصوبه أي : مثل ذلك الجزاء العظيم { نجزي كل كفور } أي : كافر بالله تعالى وبرسوله ، وقرأ أبو عمرو بياء مضمومة وفتح الزاي ورفع كل ، والباقون بنون مفتوحة وكسر الزاي ونصب كل .