معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (54)

قوله تعالى : { قال أبشرتموني } ، أي : بالولد { على أن مسني الكبر } ، أي : على حال الكبر ، قاله على طريق التعجب ، { فبم تبشرون } ، فبأي شيء تبشرون ؟ قرأ نافع بكسر النون وتخفيفها أي : تبشرون ، وقرأ ابن كثير بتشديد النون أي : تبشرونني ، أدغمت نون الجمع في نون الإضافة ، وقرأ الآخرون بفتح النون وتخفيفها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (54)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله إبراهيم للملائكة بعد أن بشروه بهذا الغلام العليم ، فقال - تعالى - { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي على أَن مَّسَّنِيَ الكبر فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } .

والاستفهام للتعجب . كأنه عجب من أن يرزقه الله - تعالى - بغلام عليم بعد أن مسه الكبر ، وبلغ سن الشيخوخة .

و { على } بمعنى مع ، والمس : اتصال شيء بآخر على وجه الإِحساس والإِصابة .

أى : قال إبراهيم للملائكة ، بعد أن بشروه بالولد ، أبشرتمونى بذلك مع أن الكبر قد أصابنى ، والشيخوخة قد اعترتنى فبأى شىء عجيب قد بشرتمونى .

وتعجب إبراهيم إنما هو من كمال قدرة الله - تعالى - ونفاذ أمره ، حيث وهبه هذا الغلام في تلك السن المتقدمة بالنسبة له ولامرأته ، والتى جرت العادة أن لا يكون معها إنجاب الأولاد .

وقد حكى القرآن هذا التعجب على لسان امرأة إبراهيم في قوله - تعالى - { قَالَتْ ياويلتى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . . } قال الإِمام الرازى ما ملخصه : والسبب في هذا الاستفهام أن العادة جارية بأنه لا يحصل الولد حال الشيخوخة التامة . . .

وهناك جواب آخر ، وهو أن الإِنسان إذا كان عظيم الرغبة في شىء ، وفاته الوقت الذي يغلب على ظنه حصول ذلك المراد فيه ، فإذا بشر بعد ذلك بحصوله ازداد فرحه وسروره ، ويصير ذلك الفرح القوى كالمدهش له وربما يجعله هذا الفرح يعيد السؤال ليسمع تلك البشارة مرة أخرى ، طلبا للالتذاذ بسماعها . . . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (54)

وقرأ الجمهور «أبشرتموني » بألف الاستفهام ، وقرأ الأعرج «بشرتموني » بغير ألف . وقوله : { على أن مسني الكبر } ، أي في حالة قد مسني فيها الكبر ، وقرأ ابن محيصن «الكُبْر » بضم الكاف وسكون الباء ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «تُبشرونَ » بفتح النون التي هي علامة الرفع ، والفعل على هذه القراءة غير معدى ، وقرأ الحسن البصري «تبشروني » بنون مشددة وياء ، وقرأ ابن كثير بشد النون دون ياء ، وهذه القراءة أدغمت فيها نون العلامة في النون التي هي للمتكلم موطئة للياء ، وقرأ نافع «تبشرونِ » بكسر النون ، وغلط أبو حاتم نافعاً في هذه القراءة ، وقال إن شاهد الشعر في هذا اضطرار .

قال القاضي أبو محمد : وهذا حمل منه ، وتقدير هذه القراءة أنه حذفت النون التي للمتكلم وكسرت النون التي هي علامة الرفع بحسب الياء ، ثم حذفت الياء لدلالة الكسرة عليها ، ونحو هذا قول الشاعر أنشده سيبويه : [ الوافر ]

تراه كالثغام يعل مسكاً . . . يسوء الفاليات إذا فليني{[7188]}

ومنه قول الآخر :

أبالموت الذي لا بد أني . . . ملاق لا أباك تخوفيني{[7189]}

ومن حذف هذه النون قول الشاعر :

قدني من نصر الخبيبين قدي{[7190]} . . . يريد عبد الله ومصعباً ابني الزبير ، وكان عبد الله يكنى أبا خبيب ، وقرأ الحسن «فبم تَبشُرون » بفتح التاء وضم الشين ، وقول إبراهيم عليه السلام { فبم تبشرون } تقرير على جهة التعجب والاستبعاد لكبرهما ، أو على جهة الاحتقار وقلة المبالاة بالمسرة الدنيوية لمضي العمر واستيلاء الكبر . قال مجاهد : عجب من كبره ومن كبر امرأته ، وقد تقدم ذكر سنة وقت البشارة .


[7188]:البيت لعمرو بن معديكرب الزبيدي، وبعده يقول: فأقسم لو جعلت علي نذرا بطعنة فارس لقضيت ديني. ورواية اللسان: "يسوء الفاليات" ، و كذلك رواه الفراء في "معاني القرآن"، وهو في الأصول هنا "يسر الفاليات"، و الشاهد فيه حذف النون، إذ أراد "فلينني" بنونين، فحذف إحداهما استثقالا للجمع بينهما، قال الأخفش: حذفت النون الأخيرة لأن هذه النون وقاية للفعل وليست باسم، فأما النون الأولى فلا يجوز طرحها لأنها الاسم المضمر، وقال الفراء: وقد خففت العرب النون من أن الناصبة ثم أنفذوا لها نصبها، و هي أشد من ذا، قال الشاعر يخاطب زوجه عندما طلبت منه الطلاق: فلو أنك في يوم الرخاء سألتني فراقك لم أبخل وأنت صديـــق فما رد تزويج عليه شهـــــادة و ما رد من بعد الحرار عتيق إذ الأصل: سألتيني. والثغام بالفتح: نبت على شكل الحلي، وهو أغلظ منه ولا ينبت عودا، يكون في الجبل، ينبت أخضر ثم تبيض إذا يبس، وله سنمة غليظة، و لا ينبت إلا في قنة سوداء، قال ذلك في اللسان، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي بأبي قحافة يوم الفتح وكان رأسه ثغامة، فأمرهم أن يغيروه. وفلى رأسه فليا: بحثه عن القمل، وعلة: سقاه بعد مرة، أو سقاه تباعا، فمعنى "يعل مسكا" أنه يدهن بالمسك مرة بعد مرة، أو يدهن تباعا. و الضمير الأول في (تراه) لزوجه التي كانت زوج أبيه من قبله، والضمير الثاني لشعر رأسهن أي أن زوجه ترى شعر رأسه كالثغام.
[7189]:البيت لأبي حية النميري، أراد: تخوفيني فحذف، قال في (اللسان ـ فلا): وعلى هذا قرأ بعض القراء: {فبم تبشرون} فأذهب إحدى النونين استثقالا. يقول: إنه لا يخاف من الموت لأنه يعلم أنه لابد ملاقيه ولهذا يستنكر أن تخوفه به.
[7190]:هذا الرجز لحميد بن مالك الأرقط، وقيل: إنه لأبي بحدلة، وهو في كتاب سيبويه، و في ابن عقيل و في خزانة الأدب. وبعده: ليس الإمام بالشحيح الملحد و لا بوتن بالحجاز مفرد ومعنى "قدني": حسبي، والخبيبين: عبد الله بن الزبير، وابنه خبيب، أو هما عبد الله أخوه مصعب بن الزبير، والإمام في البيت الثاني هو عبد الملك بن مروان، والمعنى: حسبي منهما ما نلت، ولن أطلب نصرتهما، فإن عبد الملك خير وأفضل، لأنه ليس شحيحا ولا واتن، أي: ولا بدائم ثابت في أرض الحجاز مفرد، ويقال للماء المعين الدائم الذي لا يذهب: واتن، وكذا واثن بالثاء المثلثة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (54)

الاستفهام في { أبشرتموني } للتعجب .

و { على } بمعنى ( مع ) : دالة على شدة اقتران البشارة بمسّ الكبر إياه .

والمسّ : الإصابة . والمعنى تعجب من بشارته بولد مع أن الكبر مسّه .

وأكد هذا التعجب بالاستفهام الثاني بقوله : { فَبِمَ تُبَشِّرُونِ } استفهام تعجب . نُزل الأمر العجيب المعلوم منزلة الأمر غير المعلوم لأنه يكاد يكون غير معلوم .

وقد علم إبراهيم عليه السلام من البشارة أنهم ملائكة صادقون فتعين أن الاستفهام للتعجب .

وحذف مفعول « بشرتموني » لدلالة الكلام عليه .

قرأ نافع { تبشرونِ } بكسر النون مخففة دون إشباع على حذف نون الرفع وحذف ياء المتكلم وكل ذلك تخفيف فصيح .

وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة على حذف ياء المتكلم خاصة . وقرأ الباقون بفتح النون على حذف المفعول لظهوره من المقام ، أي تبشرونني .

وجواب الملائكة إياه بأنهم بشّروه بالخَبَر الحق ، أي الثابت لا شك فيه إبطالاً لما اقتضاه استفهامه بقوله : { فبم تبشرون } من أن ما بشروه به أمر يكاد أن يكون منتفياً وباطلاً . فكلامهم رد لكلامه وليس جواباً على استفهامه لأنه استفهام غير حقيقي .