اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (54)

فعجب إبراهيم أمره و{ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي على أَن مَّسَّنِيَ الكبر } قرأ الأعرج : " بشَّرتُمونِي " بإسقاط{[19566]} أداة الاستفهام ، فيحتمل الإخبار ، ويحتمل الاستفهام ، وإنما حذفت أداته للعلم به .

وِ " على أنْ مسَّنيَ " في محل نصبٍ على الحال .

وقرأ{[19567]} ابن محيصن : " الكُبْر " بزنة " فُعْل " . قوله : " فبمَ تبشّرون " " بِمَ " متعلقٌ ب " تُبشِّرُون " ، وقدم وجوباً ؛ [ لأنه ]{[19568]} استفهام وله صدر الكلام .

وقرأ{[19569]} العامة : بفتح النون مخففة على أنها نون الرفع ؟ ولم يذكر مفعول التبشير ، وقرأ نافع بكسرها ، والأصل : تبشروني فحذف الياء مجتزئاً عنها بالكسرة .

وقد غلطه أبو حاتم ، وقال : هذا يكون في الشعر اضطراراً .

وقال مكي : " وقد طعن في هذه القراءة قومٌ لبُعدِ مخرجِها في العربيَّة ؛ لأنَّ حذف النون التي تصحبُ الياء لا يحسنُ إلاَّ في الشِّعر ، وإن قُدِّر حذف النون الأولى حذفت [ علم ]{[19570]} الرفع من غير ناصب ، ولا جازم ؛ ولأنَّ نون الرفع كسرها قبيحٌ ، إنَّما حقُّها الفتح " .

وهذا الطعن لا يتلفت إليه ، لأنَّ ياء المتكلم قد كثر حذفها مجتزءاً عنها بالكسرة ، وقد قرئ بذلك في قوله تعالى : { أَفَغَيْرَ الله تأمروني } [ الزمر : 64 ] كما سيأتي بيانه إن شاء الله –تعالى- .

ووجهه : أنَّه لما اجتمع نونان أحدهما نون الرفع ، والأخرى نون الوقاية استثقل اللفظ ، فمنهم من أدغم ، ومنهم من حذف ، ثم اختلف في المحذوفة ، هل هي الأولى ، أو الثانية ، وتقدَّم الكلام على ذلك في سورة الأنعام [ الأنعام : 80 ] .

وقرأ ابن كثير{[19571]} بتشديدها مكسورة ، أدغم الأولى في الثانية ، وحذف ياء الإضافة ، والحسن : أثبت الياء مع تشديد النون ، ورجح قراءة من أثبت مفعول : " يُبشِّرُون " وهو الياء .


[19566]:ينظر: البحر 5/446، والدر المصون 4/300.
[19567]:ينظر: السابق نفسه.
[19568]:في ب: لأن ما.
[19569]:ينظر: السبعة 367، والنشر 2/302، والتيسير 136، والحجة 383، والبحر 5/447، والدر المصون 4/300.
[19570]:في أ: على.
[19571]:ينظر: النشر 2/302، وإتحاف فضلاء البشر 2/177، والوسيط 3/47، والدر المصون 4/300.