الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (54)

قوله تعالى : { أَبَشَّرْتُمُونِي } قرأ الأعرج " بَشَّرْتموني " بإسقاطِ أداةِ الاستفهام ، فتحتمل الإِخبارَ ، وتحتمل الاستفهامَ وإنما حَذَفَ أداتَه للعلمِ بها .

قوله : { عَلَى أَن مَّسَّنِيَ } في محلِّ نصبٍ على الحال . وقرأ ابنُ محيصن " الكُبْرُ " بزنةِ قُفْل .

قوله : { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } " بِمَ " متعلقٌ ب " تُبَشِّرون " ، وقُدِّم وجوباً لأنَّ له صدرَ الكلامِ . وقرأ العامَّةُ بفتح النون مخففةً على أنها نونُ الرفع ، ولم يُذْكَرْ مفعولُ التبشير . وقرأ نافع بكسرها ، والأصل " تُبَشِّرُوني " فَحَذَفَ الياءَ مجتزِئاً عنها بالكسرة . وقد غلَّطه أبو حاتم وقال : " هذا يكونُ في الشعرِ اضطراراً " .

وقال مكي : " وقد طَعَنَ في هذه القراءةِ قومٌ لبُعْدِ مَخْرَجِها في العربيةِ ؛ لأنَّ حَذْفَ النونِ التي تصحب الياءَ لا يَحْسُنُ إلا في شِعْرٍ ، وإن قُدِّر حَذْفُ النونِ الأولى حَذَفْتَ عَلَمَ الرفعِ من غيرِ ناصبٍ ولا جازمٍ ؛ ولأنَّ نونَ الرفعِ كَسْرُها قبيحٌ ، إنما حَقُّها الفتح " . وهذا الطعنُ لا يُلتفت إليه لأنَّ ياءَ المتكلمِ قد كَثُرَ حَذْفُها مجتزَأً عنها بالكسرةِ ، وقد قرئ بذلك في قوله :

{ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي } [ الزمر : 64 ] كما سيأتي بيانُه .

ووجهُه : أنه لَمَّا اجتمع نونان إحداهما للرفع ، والأخرى نونُ الوقاية ، استثقل اللفظ : فمنهم مَنْ أدغم ، ومنهم مَنْ حذف . ثم اخْتُلِف في المحذوفة : هل هي في الأولى أو الثانية ؟ وقد قدَّمْتُ دلائلَ كلِّ قولٍ مستوفاةً في سورةِ الأنعام . وقرأ ابن كثير بتشديدِها مكسورةً ، أدغم الأولى في الثانية وحَذَف ياءَ الإِضافةِ . والحسن أثبت الياءَ مع تشديدِ النون . ويرجِّح قراءةَ مَنْ أثبت مفعولَ " تُبَشِّرون " وهو الياءُ قولُه : { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ } .