معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُواْ مِن قَبۡلُ شَيۡـٔٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (74)

قوله تعالى : { ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله } يعني الأصنام ، { قالوا ضلوا عنا } فقدناهم فلا نراهم ، { بل لم نكن ندعو من قبل شيئاً } قيل : أنكروا . وقيل : معناه بل لم ندع من قبل شيئاً ينفع ويضر . وقال الحسين بن الفضل : أي : لم نكن نصنع من قبل شيئاً ، أي : ضاعت عبادتنا لها ، كما يقول من ضاع عمله : ما كنت أعمل شيئاً . قال الله عز وجل : { كذلك } أي : كما أضل هؤلاء . { يضل الله الكافرين }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُواْ مِن قَبۡلُ شَيۡـٔٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (74)

وقوله - تعالى - : { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } تبكيت وتأنيب لهم .

أى : ثم قيل بعد هذا العذاب المهين لهم : أين تلك الآلهة التى كنتم تعبدونها من دون الله ، لكى تدفع عنكم شيئا من العذاب الأليم الذى نزل بكم ؟

وقوله : { قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً .

. . } حكاية لجوابهم الذى يدل على حسرتهم وبؤسهم .

أى : قالوا : ذهبوا وضاعوا وغابوا عنا ولم نعد نعرف لهم طريقا ، ولا هم يعرفون عنا طريقا . ثم أضربوا عن هذا القول توهما منهم أن هذا الإضراب ينفعهم فقالوا : بل لم نكن نعبد من قبل فى الدنيا شيئا يعتد به ، وإنما كانت عبادتنا لتلك الآلهة أوهاما وضلالا . .

وقوله - تعالى - : { كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين } أى مثل هذا الضلال البين والتخبط الواضح ، يضل الله - تعالى - الكافرين ، ويجعلهم يتخبطون فى إجابتهم على السائلين لهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُواْ مِن قَبۡلُ شَيۡـٔٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (74)

فيقولون : { ضلوا عنا } أي تلفوا لنا وغابوا واضمحلوا ، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون : { بل لم نكن ندعو من قبل شيئاً } وهذا من أشد الاختلاط وأبين الفساد في الدهر والنظر فقال الله تعالى لنبيه : { كذلك يضل الله الكافرين } أي كهذه الصفة المذكورة وبهذا الترتيب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُواْ مِن قَبۡلُ شَيۡـٔٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (74)

ومعنى { ضَلُوا } غابوا كقوله : { أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] أي غُيبنا في التراب ، ثم عرض لهم فعلموا أن الأصنام لا تفيدهم . فأضربوا عن قولهم : { ضَلُوا عَنَّا } وقالوا : { بَلْ لَمْ نَكُن نَدْعُوا مِن قَبْلُ شَيْئَاً } أي لم نكن في الدنيا ندعو شيئاً يغني عنا ، فنفي دعاء شيء هنا راجع إلى نفي دعاء شيء يُعتدّ به ، كما تقول : حسبتُ أن فلاناً شيء فإذا هو ليس بشيء ، إن كنتَ خبرته فلم تر عنده خيراً . وفي الحديث : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال : « ليسوا بشيء » أي ليسوا بشيء معتدّ به فيما يقصدهم الناس لأجله ، وقال عباس بن مرداس :

وقد كنت في الحرب ذا تدراء *** فلم أعط شيئاً ولم أمنع

وتقدم عند قوله تعالى : { لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل } في سورة [ العقود : 68 ] ، إذ ليس المعنى على إنكار أن يكونوا عبدوا شيئاً لمنافاته لقولهم : { ضَلُّوا عَنَّا } المقتضي الاعترافَ الضمني بعبادتهم .

وفسر كثير من المفسرين قولهم : { بَل لَّمْ نَكُن ندْعُوا من قَبْلُ شيئاً } أنه إنكار لعبادة الأصنام بعد الاعتراف بها لاضطرابهم من الرعب فيكون من نحو قوله تعالى : { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] . ويجوز أن يكون لهم في ذلك الموقف مقالان ، وهذا كله قبل أن يحشروا في النار هم وأصنامهم فإنهم يكونون متماثلين حينئذٍ كما قال تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون اللَّه حصب جهنم } .

وجملة { كذلك يُضِلُّ الله الكافرين } تذييل معترض بين أجزاء القول الذي يقال لهم . ومعنى الإِشارة تعجيب من ضلالهم ، أي مثل ضلالهم ذلك يُضل الله الكافرين . والمراد بالكافرين : عموم الكافرين ، فليس هذا من الإِظهار في مقام الإِضمار . والتشبيه في قوله : { كذلك يُضِلُّ الله الكافرين } يُفيد تشبيه إضلال جميع الكافرين بإضلاله هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله ، فتكون جملة { كذلك يُضِلُّ الله الكافرين } تذييلاً ، أي مثل إضلال الذين يجادلون في آيات الله يُضل الله جميع الكافرين ، فيكون إضلال هؤلاء الذين يجادلون مشبهاً به إضلال الكافرين كلهم ، والتشبيه كناية عن كون إضلال الذين يجادلون في آيات الله بلغ قوة نوعه بحيث ينظّر به كل ما خفي من أصناف الضلال ، وهو كناية عن كون مجادلة هؤلاء في آيات الله أشدُّ الكفر .

والتشبيه جار على أصله وهو إلحاق ناقص بكامل في وصف ولا يكون من قبيل { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } [ البقرة : 143 ] ولا هو نظير قوله المتقدم { كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات اللَّه يجحدون } [ غافر : 63 ] .