معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

ثم تابع - سبحانه - حديثه عن ضلال أهل الكتاب وجهالتهم فأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم على عنادهم وغفلتهم وأن يواصل دعوتهم إلى الدين الحق فقال - تعالى :

{ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ . . . }

الاستفهام في قوله { أَتَعْبُدُونَ } لإِنكار واقعهم والتعجيب مما وقع منهم ، وتوبيخهم على جهلهم وغفلتهم .

و { ما } في قوله { مَا لاَ يَمْلِكُ } يجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي وأن تكون نكرة موصوفة . والجملة بعدها صلة فلا محل لها أو صفة فمحلها النصب .

وقوله { يملك } من الملك بمعنى حيازة الشيء والتمكن من التصرف فيه بدون عجز .

والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء الضالين من النصارى وأشباههم في الكفر ولاشرك قل لهم : أتعبدون معبودات غير الله - تعالى - هذه المعبودات لا تملك أن تصيبكم بشيء من الضرر كالمرض والفقر ، ولا تملك أيضاً أن تنفعكم بشيء من النفع كبسط الرزق ودفع الضرر وغير ذلك مما أنتم في حاجة إليه .

فالمراد بما لا يملك : كل ما عبد من دون الله من حجر أو وثن أو غيرهما فتكون " ما " للعموم وليست كناية عن عيسى وأمه فحسب .

وقد سار على هذا المعنى ابن كثير فقال : يقول - تعالى - منكراً على من عبد غيره من الأصنام والأوثان والأنداد ، ومبينا له أنها لا تستحق شيئاً من الألوهية فقال - تعالى - { قُلْ } أي : يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم ودخل في ذلك النصارى وغيرهم { أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } .

ويرى كثير من المفسرين أن المراد بقوله : { مَا لاَ يَمْلِكُ } عيسى - عليه السلام - أو هو وأمه لأن الكلام مع النصارى الذين قال بعضهم : إن الله هو المسيح ابن مريم . وقال آخرون منهم : إن الله ثالث ثلاثة ، فتكون الآية دليلا آخر - بعد الأدلة السابقة - على فساد أقوال النصارى في عيسى وأمه مريم .

والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء النصارى أتعبدون - من دون الله - عيسى وأمه وهما لا يستطيعان أن يضراكم بشيء من الضرر في الأنفس والأموال ، ولا أن ينفعاكم بشيء من النفع كإيجاد الصحة والخصب والسعة ، لأن الضر والنفع من الله وحده وكل ما يستطيعه البشر من المضار أو المنافع هو بتمكين الله لهم وليس بقدرتهم الذاتية .

وأوثرت " ما " على " من " لتحقيق ما هو المراد من كونهما بمعزل من الألوهية رأسا ، ببيان انتظامهما في مسلك الأشياء التي لا قدرة لها على شيء ألا ولا شك أن من صفات الرب أن يكون قادراً على كل شيء ، فقول النصارى بأن الله هو المسيح ابن مريم أو هو ثالث ثلاثة ، قال ظاهر البطلان واضح الفساد .

وعلى كلا القوالين فالآية الكريمة تنفي أن يكون هناك إله سوى الله - تعالى - يستحق العبادة والخضوع ، لأنه - سبحانه - هو المالك لكل شيء ، والخالق لكل شيء

{ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين } وقدم - سبحانه - الضر على النفع فقال : { مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } لأن النفوس أشد تطلعا إلى دفعة من تطلعها إلى جلب الخير ، ولأنهم كانوا يبعدون غير الله - تعالى - وهمهم الأكبر أن هذا المعبود يستطيع أن يقربهم إلى الله زلفى ، وأن يمنع عنهم المصائب والأضرار .

وقوله : { والله هُوَ السميع العليم } في محل نصب على الحال . من فاعل { أَتَعْبُدُونَ } أي أتعبدون آلهة سوى الله لا تملك ضرركم أو نفعكم وتتركون عبادة الله والحال أن الله وحده هو السميع لكل ما تنطقون به ، العليم بجميع أحوالكم وأعمالكم ، وسيحاسبكم على ذلك وسيجازيكم على أقوالكم الباطلة وعقائدكم الزائفة ، بما تستحقون من عذاب أليم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

{ قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرا ولا نفعا } يعني عيسى عليه الصلاة والسلام ، وهو وإن ملك ذلك بتمليك الله سبحانه وتعالى إياه لا يملكه من ذاته ولا يملك مثل ما يضر الله تعالى به من البلايا والمصائب ، وما ينفع به من الصحة والسعة وإنما قال ما نظرا إلى ما هو عليه في ذاته توطئه لنفي القدرة عنه رأسا ، وتنبيها على أنه من هذا الجنس ومن كان له حقيقة تقبل المجانسة والمشاركة فبمعزل عن الألوهية ، وإنما قدم الضر لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع . { والله هو السميع العليم } بالأقوال والعقائد فيجازي عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

أمر الله نبيه أن يوقفهم على عبادتهم شخصاً من البشر لا يملك أن يضرهم ولا أن ينفعهم ، و { من دون } ودون فلان وما جاء من هذه اللفظة فإنما تضاف إلى من ليس في النازلة التي فيها القول ، وتفسيرها ب ( غير ) أمر غير مطرد ، و «الضَّر » بفتح الضاد المصدر ، و «الضَّر » بضمها الاسم وهو عدم الخير ، و { السميع } هنا إشارة إلى تحصيل أقوالهم والعليم بنياتهم ، وقال بعض المفسرين : هاتان الصفتان منبهتان على قصور البشر ، أي والله تعالى هو السميع العليم بالإطلاق لا عيسى ولا غيره ، وهم مقرون أن عيسى قد كان مدة لا يسمع ولا يعلم ، وقال نحوه مكي{[4646]} .


[4646]:- القول بأن عيسى عليه السلام قد كان مدة لا يسمع ولا يعلم أخذها بعض العلماء وجعلها سببا للتعبير بـ(ما) في قوله تعالى: {أتعبدون من دون الله ما لا يملك} ففي اختيار (ما) تنبيه على أول أحواله، إذ مرت عليه أزمان حالة الحمل لا يوصف فيها بالعقل- وقال سيبويه: (ما) مبهمة تقع على كل شيء، وقيل: أريد ما عبد من دون الله ممن يعقل ومما لا يعقل وعبر بما تغليبا لغير العاقل إذ أكثر ما عبد من دون الله هو لغير العاقل كالأوثان والأصنام. والله أعلم.