ثم انتقل - سبحانه - من تهديدهم بالخسف إلى تهديدهم بعذاب آخر فقال : { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي السمآء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } .
أي : بل أأمنتم - أيها الناس - من السماء ، وهو الله - عز وجل - بسلطانه وقدرته .
أن يرسل عليكم { حَاصِباً } أي : ريحا شديدة مصحوبة بالحصى والحجارة التي تهلك ، فحينئذ ستعلمون عند معاينتكم للعذاب ، كيف أن إنذاري لكم متحققا وواقعا وحقا . .
فالاستفهام في الآيتين ، المقصود به التعجيب من أمنهم عذاب الله - تعالى - عند مخالفتهم لأمره ، وخروجهم عن طاعته .
وقدم - سبحانه - من تهديدهم بالخسف على التهديد بإرسال الحصب ، لأن الخسف من أحوال الأرض ، التي سبق أن بين لهم أنه خلقها مذللة لهم ، وفيها ما فيها من منافعهم ، فهذه المنافع ليس عسيرا على الله - تعالى - أن يحولها إلى عذاب لهم . . .
{ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } أي : ريحا فيها حصباء تدمغكم ، كما قال : { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا } [ الإسراء : 68 ] . وهكذا توعدهم هاهنا بقوله : { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } أي : كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أم أمنتم} عقوبة {من في السماء} يعني الرب عز وجل.
{أن يرسل عليكم حاصبا} يعني الحجارة من السماء كما فعل بمن كان قبلكم من كفار العرب الخالية، قوم لوط وغيره.
{فستعلمون} يا أهل مكة عند نزول العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"أأَمنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ "أيها الكافرون "أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فإذا هِيَ تَمُورُ"، يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب.
"أمْ أمِنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ" وهو الله، "أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا"، وهو التراب فيه الحصباء الصغار، "فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ"، يقول: فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم، إذ كذبتم به، ورددتموه على رسولي.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فستعلمون كيف نذير} أي ستعلمون حال نذري الذين أنذروكم بالعذاب، أنهم كانوا محقين فيه، ولم يكونوا كاذبين كما زعمتم. أو ستعلمون ما أنذرتكم به إذا وقع العذاب...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قوله: (فستعلمون كيف نذير) فيه تهديد، أي ستعرفون كيف تخويفي وترهيبي إن عصيتموني إذا صرتم إلى عذاب النار...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
{فستعلمون} في الآخرة وعند الموت...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
إذا رأيتم المنذر به، علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم...
ثم هدد وأوعد فقال: {فستعلمون كيف نذير}. قيل في النذير هاهنا إنه المنذر، يعني محمدا عليه الصلاة والسلام وهو قول عطاء عن ابن عباس والضحاك، والمعنى فستعملون رسولي وصدقه، لكن حين لا ينفعكم ذلك،
وقيل: إنه بمعنى الإنذار، والمعنى فستعلمون عاقبة إنذاري إياكم بالكتاب والرسول، و كيف في قوله: {كيف نذير} ينبئ عما ذكرنا من صدق الرسول وعقوبة الإنذار...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وفي الحقيقة فإنّ الآيات أعلاه تؤكّد أنّ عذاب العاصين والمجرمين لا ينحصر في يوم القيامة فقط، حيث يستطيع البارئ عزّ وجلّ أن يقضي على حياتهم في هذه الدنيا بحركة بسيطة للأرض، أو بحركة الرياح، وإن أفضل دليل على هذه الإمكانية الإلهية هو وقوع مثل هذه الأمور في الأمم السابقة...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.