معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

قوله عز وجل : { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } السائل : الذي يسأل الناس ، والمحروم : الذي ليس له في الغنيمة سهم ، ولا يجرى عليه من الفيء شيء ، هذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب قال : المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم ، ومعناه في اللغة : الذي منع الخير والعطاء . وقال قتادة والزهري : المحروم المتعفف الذي لا يسأل . وقال زيد بن أسلم : هو المصاب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته . وهو قول محمد بن كعب القرظي ، قال : المحروم صاخب الحاجة ، ثم قرأ : { إنا لمغرمون * بل نحن محرومون }( الواقعة-67 ) .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

ثم مدحهم - سبحانه - للمرة الثالثة فقال : { وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم } .

والسائل : هو من يسأل غيره العون والمساعدة . والمحروم : هو المتعفف عن السؤال مع أنه لا مال له لحرمان أصابه ، بسبب مصيبة نزلت به ، أو فقر كان فيه . . . أو ما يشبه ذلك .

قال ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى المراد من المحروم هنا . والصواب من القول فى ذلك عندى : أنه الذى قد حرم الرزق واحتاج ، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره فصار ممن حرمه الله .

وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة . وقد يكون بأنه لا سهم له فى الغنيمة لغيبته عن الواقعة .

أى : أنهم بجانب قيامهم الليل طاعة لله - تعالى - واستغفارا لذنوبهم . . . يوجبون على أنفسهم فى أموالهم حقا للسائل والمحروم ، تقربا إلى الله - سبحانه - بمقتضى ما جبلوا عليه من كرم وسخاء .

فالمراد بالحق هنا : ما يقدمونه من أموال للمحتاجين على سبيل التطوع وليس المراد به الزكاة المفروضة ، لأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت فى السنة الثانية من الهجرة .

قال الآلوسى : { وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ } هو غير الزكاة كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما .

وقال منذر بن سعيد : هذا الحق هو الزكاة المفروضة ، وتعقب بأن السورة مكية . وفرض الزكاة بالمدينة . وقيل : أصل فريضة الزكاة كان بمكة والذى كان بالمدينة القدر المعروف اليوم . . . . والجمهور على الأول .

والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة يرى أن هؤلاء المتقين ، قد مدحهم الله - تعالى - هذا المدح العظيم ، لأنهم عرفوا حق الله عليهم فأدوه بإحسان وإخلاص ، وعرفوا حق الناس عليهم فقدموه بكرم وسخاء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

وقوله : { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } : لما وصفهم بالصلاة ثنى بوصفهم {[27421]} بالزكاة والبر والصلة ، فقال : { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ } {[27422]} أي : جزء مقسوم قد أفرزوه { لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } ، أما السائل فمعروف ، وهو الذي يبتدئ بالسؤال ، وله حق ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا وَكِيع وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان ، عن مصعب بن محمد ، عن يعلى بن أبي يحيى ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها الحسين بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للسائل حق وإن جاء على فرس " .

ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري ، به {[27423]} ثم أسنده من وجه آخر عن علي بن أبي طالب {[27424]} . وروي من حديث الهِرْماس بن زياد مرفوعا{[27425]} .

وأما { المحروم } ، فقال ابن عباس ، ومجاهد : هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم . يعني : لا سهم له في بيت المال ، ولا كسب له ، ولا حرفة يتقوت منها .

وقالت أم المؤمنين عائشة : هو المحارَف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه . وقال الضحاك : هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب ، قضى الله له ذلك .

وقال أبو قِلابَة : جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل ، فقال رجل من الصحابة : هذا المحروم .

وقال ابن عباس أيضا ، وسعيد بن المسيَّب ، وإبراهيم النخعي ، ونافع - مولى ابن عمر - وعطاء بن أبي رباح { المحروم } : المحارف .

وقال قتادة ، والزهري : { الْمَحْرُوم } : الذي لا يسأل الناس شيئا ، قال الزهري وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بالطوَّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يُفطن له فيتصدق عليه " .

وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر {[27426]} .

وقال سعيد بن جبير : هو الذي يجيء وقد قُسِّم المغنم ، فيرضخ له .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني بعض أصحابنا قال : كنا مع عمر بن عبد العزيز في طريق مكة فجاء كلب فانتزع عمر كتف شاة فرمى بها إليه ، وقال : يقولون : إنه المحروم .

وقال الشعبي : أعياني أن أعلم ما المحروم .

واختار ابن جرير أن المحروم : [ هو ] {[27427]} الذي لا مال له بأي سبب كان ، قد ذهب ماله ، سواء كان لا يقدر على الكسب ، أو قد هلك ماله أو نحوه{[27428]} بآفة أو نحوها .

وقال الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا ، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة فنزلت هذه الآية : { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } {[27429]} .

وهذا يقتضي أن هذه مدنية ، وليس كذلك ، بل هي مكية شاملة لما بعدها .


[27421]:- (2) في م، أ: "وصفهم".
[27422]:- (3) في م، أ: (حق للسائل والمحروم).
[27423]:- (4) المسند (1/201) وسنن أبي داود برقم (1665).
[27424]:- (5) سنن أبي داود برقم (1666).
[27425]:- (6) رواه الطبراني في المعجم الكبير (22/203) من طريق سليمان الدمشقي عن عثمان بن فايد عن عكرمة بن عمار عن الهرماس مرفوعا به وفيه عثمان بن فايد وهو ضعيف.
[27426]:- (1) صحيح البخاري برقم (4539) وصحيح مسلم برقم (1039) من طريق شريك بن عبد الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا.
[27427]:- (2) زيادة من م.
[27428]:- (3) في م: "أو ثمرة".
[27429]:- (4) رواه الطبري في تفسيره (26/125).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

وقوله : وفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ والمَحْرُومِ يقول تعالى ذكره : وفي أموال هؤلاء المحسنين الذين وصف صفتهم حقّ لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم . وبنحو الذي قلنا في معنى السائل ، قال أهل التأويل ، وهم في معنى المحروم مختلفون ، فمن قائل : هو المحارَف الذي ليس له في الإسلام سهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن قيس بن كركم ، عن ابن عباس سألته عن السائل والمحروم ، قال : السائل : الذي يسأل الناس ، والمحروم : الذي ليس له في الإسلام سهم وهو محارَف .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس ، قوله : وفِي أمْوَالهمْ حَقّ للسّائِلِ والمَحْرُومِ قال : المحروم : المحارف .

حدثنا سهل بن موسى الرازي ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن قيس بن كركم ، عن ابن عباس ، قال : السائل : السائل . والمحروم : المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم .

حدثنا سهل بن موسى ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن قيس بن كركم ، عن ابن عباس ، قال : المحروم : المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم .

حدثنا حُمَيد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق ، عن قيس بن كركم ، عن ابن عباس في هذه الاَية للسّائِلِ والمَحْرُومِ قال : السائل : الذي يسأل ، والمحروم : المحارَف .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق يحدّث عن قيس بن كركم ، عن ابن عباس ، بنحوه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول : الله تبارك وتعالى : المحروم ، قال : المحارف .

وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَالمَحْرُومِ : هو الرجل المحارف الذي لا يكون له مال إلا ذهب ، قضى الله له ذلك .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن قيس بن كركم ، قال : سألت ابن عباس عن قوله : للسائل وَالمَحْرُومِ قال : السائل : الذي يسأل ، والمحروم : المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم .

حدثني محمد بن عمرو المقدمي ، قال : حدثنا قريش بن أنس ، عن سليمان ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : المحروم : المحارَف .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال في المحروم : هو المحارف الذي ليس له أحد يعطف عليه ، أو يعطيه شيئا .

حدثني ابن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم ، عن أبي قِلابة ، قال : جاء سيل باليمامة ، فذهب بمال رجل ، فقال رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم : هذا المحروم .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع ، قال : المحروم : المحارف .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : المحروم : المحارف .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن الوليد بن العيزار عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس أنه قال : المحروم : هو المحارف .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، قال : سألت سعيد بن جُبَير ، عن المحروم ، فلم يقل فيه شيئا ، فقال عطاء : هو المحدود المحارف .

ومن قائل : هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني نافع بن يزيد ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشجّ ، عن سعيد بن المسيب ، أنه سُئل عن المحروم فقال : المحارف .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وفي أمْوَالِهمْ حَقّ للسَائل وَالمَحْرُومِ هذان فقيرا أهل الإسلام ، سائل يسأل في كفّه ، وفقير متعفّف ، ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري للسّائلِ وَالمَحْرُومِ قال : السائل : الذي يسأل ، والمحروم : المتعفف الذي لا يسأل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، قال : قال معمر ، وحدثني الزهريّ ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لَيْسَ المِسْكينُ الّذِي تَرُدّهُ التّمْرَةُ والتّمْرَتانِ والأكْلَةُ والأكْلَتانِ » ، قالوا فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : «الّذِي لا يَجِدُ غِنًى ، وَلا يُعْلَمُ بِحاجَتِهِ فَيُتَصَدّقُ عَلَيْهِ فَذلكَ المَحْرُومُ » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : للسّائِل والمَحْرُومِ قال : السائل الذي يسأل بكفه ، والمحروم : المتعفف ، ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم .

وقائل : هو الذي لا سهم له في الغنيمة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فغنموا ، فجاء قوم يشهدون الغنيمة ، فنزلت هذه الاَية : وفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم الجدلي ، عن الحسن بن محمد ، قال : بعثت سرية فغنموا ، ثم جاء قوم من بعدهم ، قال : فنزلت للسّائِل وَالمَحْرُومِ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم أن أُناسا قدموا على عليّ رضي الله عنه الكوفة بعد وقعة الجمل ، فقال : اقسموا لهم ، قال : هذا المحروم .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد أن قوما في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم أصابوا غنيمة ، فجاء قوم بعد ، فنزلت وفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : المحروم : الذي لا فيء له في الإسلام ، وهو محارف من الناس .

قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قوله : للّسائِلِ وَالمَحْرُومِ قال : المحروم : الذي لا يجري عليه شيء من الفيء ، وهو محارف من الناس .

وقائل : هو الذي لا ينمى له مال . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، قال : سألت عكرِمة ، عن السائل والمحروم ؟ قال : السائل : الذي يسألك ، والمحروم : الذي لا ينمى له مال .

وقائل : هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ والمَحْرُومِ قال : المحروم : المصاب ثمره وزرعه ، وقرأ أفرأيْتُمْ ما تَحْرُثُون أأنْتُم تَزْرَعُونَهُ حتى بلغ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وقال أصحاب الجنة : إنّا لَضَالّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، قال : قال زيد بن أسلم في قوله : وَفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ قال : ليس ذلك بالزكاة ، ولكن ذلك مما ينفقون من أموالهم بعد إخراج الزكاة ، والمحروم : الذي يُصاب زرعه أو ثمره أو نسل ماشيته ، فيكون له حقّ على من لم يصبه ذلك من المسلمين ، كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم قالُوا بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وقال أيضا : لَوْ نَشاءُ لجَعَلْناهُ حُطاما فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ إنّا لَمَغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ .

وكان الشعبيّ يقول في ذلك ما .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، قال : قال الشعبيّ : أعياني أن أعلم ما المحروم .

والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج ، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره ، فصار ممن حرمه الله ذلك ، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة ، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة ، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ ، كما قال جلّ ثناؤه : وفي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ} (19)

وقوله تعالى : { وفي أموالهم حق } الصحيح أنها محكمة ، وأن هذا الحق هو على وجه الندب ، لا على وجه الفرض ، و : { معلوم }{[10592]} يراد به متعارف ، وكذلك قيام الليل الذي مدح به ليس من الفرائض ، وأكثر ما تقع الفريضة بفعل المندوبات ، وقال منذر بن سعيد : هي الزكاة المفروضة وهذا ضعيف ، لأن السورة مكية وفرض الزكاة بالمدينة . وقال قوم من المتأولين : كان هذا ثم نسخ بالزكاة ، وهذا غير قوي وما شرع الله عز وجل بمكة قبل الهجرة شيئاً من أخذ الأموال .

واختلف الناس في { المحروم } اختلافاً ، هو عندي تخليط من المتأخرين ، إذ المعنى واحد ، وإنما عبرعلماء السلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات فجعلها المتأخرون أقوالاً وحصرها مكي ثمانية .

و : { المحروم } هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة ، وهو مع ذلك لا يسأل ، فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق ، قال الشعبي : أعياني أن أعلم ما { المحروم } ؟ وقال ابن عباس : { المحروم } : المعارف الذي ليس له في الإسلام سهم مال ، فهو ذو الحرفة المحدود . وقال أبو قلابة : جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل ، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هذا { المحروم } . وقال زيد بن أسلم : هو الذي أجيحت ثمرته من المحرومين .

وقال غيره : هو الذي ماتت ماشيته ، وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : هو الكلب .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وقد يكون الكلب محروما في بعض الأوقات والحالات ، ألا ترى إلى الذي كان يأكل الثرى من العطش . . . الحديث{[10593]} ؛ إلى غير هذا من الأقوال التي إنما ذكرت مثالا ، كأنه يقول : الذي أصيبت ثمرته من المحرومين .

والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه ، وإلا فالذي أجيحت ثمرته وله مال كثير غيرها فليس في هذه الآية بإجماع ، وبعد هذا مقدر من الكلام تقديره : فكونوا مثلهم أيها الناس وعلى طريقتهم فإن النظر المؤدي إلى ذلك متوجه ، ف { في الأرض آيات } لمن اعتبر وأيقن .


[10592]:لم ترد كلمة[معلوم] في هذه الآية، ولكنه يشير إلى ما ورد في الآيتين(24، 25) من سورة (المعارج)، فقد قال الله تعالى:{والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم}.
[10593]:يشير الحديث المعروف الذي أخرجه البخاري في الشرب والمظالم والأدب، ومسلم في السلام، وأبو داود في الجهاد، ومالك في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحمد في مسنده(2-375)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بينما رجل يمشي وهو بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغني، فنزل فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي به فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(في كل ذات كبد رطبة أجر).