قال الفخر الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما شرح ما فعله فى حق عباده المخلصين ، وهو الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإيتاء الكتاب لموسى - عليه السلام - ، وما فعله فى حق العصاة والمتمردين وهو تسليط أنواع البلايا عليهم ، كان ذلك تنبيها على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة ، ومعصيته توجب كل بلية وغرامة ، لا جرم أثنى - سبحانه - على القرآن فقال : { إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } .
والفعل { يهدى } مأخوذ من الهداية ، ومعناها : الإِرشاد والدلالة بلطف إلى ما يوصل إلى البغية . والمفعول محذوف . أى : يهدى الناس .
وقوله - سبحانه - { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } صفة لموصوف محذوف ، أى يهدى الناس إلى الطريقة أو الملة التى هى أقوم .
قال صاحب الكشاف : { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } أى : للحالة التى هى أقوم الحالات وأسدها ، أو للملة أو للطريقة . وأينما قدرت لم تجد مع الإِثبات ذوق البلاغة الذى تجده مع الحذف ، لما فى إيهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه .
والمعنى : إن هذا القرآن الكريم ، الذى أنزله الله - تعالى - عليك يا محمد صلى الله عليه وسلم ، يرشد الناس ويدلهم ويهديهم - فى جميع شئونهم الدينية والدنيوية - إلى الملة التى هى أقوم الملل وأعدلها ، وهى ملة الإِسلام . فمنهم من يستجيب لهذه الهداية فيظفر بالسعادة ، ومنهم من يعرض عنها فيبوء بالشقاء .
قال صاحب الظلال ما ملخصه : إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم فى عالم الضمير والشعور ، بالعقيدة الواضحة التى لا تعقيد فيها ولا غموض ، والتى تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة ، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء ، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ، ونواميس الفطرة البشرية فى تناسق واتساق .
ويهدى للتى هى أقوم ، فى التنسيق بين ظاهر الإِنسان وباطنه ، وبين مشاعره وسلوكه وبين عقيدته وعمله .
ويهدى للتى هى أقوم فى عالم العبادة ، بالموازنة بين التكاليف والطاقة ، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل ، ولا تسهل حتى تشيع فى النفس الرخاوة والاستهتار ، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال .
ويهدى للتى هى أقوم ، فى علاقات الناس بعضهم ببعض : أفرادا وأزواجا وحكومات وشعوبا ، ودولا وأجناسا .
ويهدى للتى هى أقوم فى نظام الحكم ، ونظام المال ، ونظام الاجتماع ، ونظام التعامل . .
وقوله - سبحانه - : { وَيُبَشِّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } صفة ثانية من صفات القرآن الكريم .
أى : أن هذا القرآن بجانب هدايته للتى هى أقوم ، فهو - أيضا - يبشر المؤمنين الذين يعملون الأعمال الصالحات بأن لهم أجرا كبيرا من خالقهم - عز وجل - : أجرا كبيرا لا يعلم مقداره إلا مسديه ومانحه ، وهو الله رب العالمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ هََذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وأَنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } .
يقول تعالى ذكره : إن هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرشد ويسدّد من اهتدى به للّتِي هِيَ أقْوَمُ يقول : للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل ، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام . يقول جلّ ثناؤه : فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل التي ضلّ عنها سائر أهل الملل المكذّبين به ، كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ هَذَا القُرآنَ يَهْدِي للّتِي هِيَ أقْوَمُ قال : للتي هي أصوب : هو الصواب وهو الحقّ قال : والمخالف هو الباطل . وقرأ قول الله تعالى : فِيها كُتُبٌ قَيّمَةٌ قال : فيها الحقّ ليس فيها عوج . وقرأ ولَمْ نَجْعَلْ لَهُ عِوْجا قَيّما يقول : قيما مستقيما .
وقوله : وَيُبَشّرُ المُؤْمِنِينَ يقول : ويبشر أيضا مع هدايته من اهتدى به للسبيل الأقصد الذين يؤمنون بالله ورسوله ، ويعملون في دنياهم بما أمرهم الله به ، وينتهون عما نهاهم عنه بأن لهُمْ أجْرا من الله على إيمانهم وعملهم الصالحات كَبِيرا يعني ثوابا عظيما ، وجزاء جزيلاً ، وذلك هو الجنة التي أعدّها الله تعالى لمن رضي عمله ، كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِيرا قال : الجنة ، وكلّ شيء في القرآن أجر كبير ، أجر كريم ، ورزق كريم فهو الجنة ، وأن في قوله : أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِيرا نصب مه ، كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِيرا قال : الجنة ، وكلّ شيء في القرآن أجر كبير ، أجر كريم ، ورزق كريم فهو الجنة ، وأن في قوله : أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِيرا نصب يقول : أعددنا لهم ، لقدومهم على ربهم يوم القيامة عَذَابا ألِيما يعني موجعا ، وذلك عذاب جهنم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.