البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا} (9)

لما ذكر تعالى من اختصه بالإسراء وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن آتاه التوراة وهو موسى عليه السلام وأنها هدى لبني إسرائيل ، وذكر ما قضى عليهم فيها من التسليط عليهم بذنوبهم ، كان ذلك رادعاً من عقل عن معاصي الله فذكر ما شرف الله به رسوله من القرآن الناسخ لحكم التوراة وكل كتاب إلهي ، وأنه يهدي للطريقة أو الحالة التي هي أقوم .

وقال الضحاك والكلبي والفراء { التي هي أقوم } هي شهادة التوحيد .

وقال مقاتل : للأوامر والنواهي و { أقوم } هنا أفعل التفضيل على قول الزجاج إذ قدر أقوم الحالات وقدره غيره أقوم مما عداها أو من كل حال ، والذي يظهر من حيث المعنى أن { أقوم } هنا لا يراد بها التفضيل إذ لا مشاركة بين الطريقة التي يرشد إليها القرآن وطريقة غيرها ، وفضلت هذه عليها وإنما المعنى التي هي قيمة أي مستقيمة كما قال : { وذلك دين القيمة } و { فيها كتب قيمة } أي مستقيمة الطريقة ، قائمة بما يحتاج إليه من أمر الدين .

وقال الزمخشري : { التي هي أقوم } للحالة التي هي أقوم الحالات وأشدّها أو للملة أو للطريقة ، وأينما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف لما في إبهام الموصوف لحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه انتهى .

{ ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات } قيد في الإيمان الكامل إذ العمل هو كمال الإيمان ، نبه على الحالة الكاملة ليتحلى بها المؤمن ، والمؤمن المفرط في عمله له بإيمانه حظ في عمل الصالحات والأجر الكبير الجنة .

وقال الزمخشري : فإن قلت كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة ؟ قلت : كان الناس حينئذ إما مؤمن تقي ، وإما مشرك ، وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك انتهى .

وهذا مكابرة بل وقع في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض المؤمنين هنات وسقطات بعضها مذكور في القرآن ، وبعضها مذكور في الحديث الصحيح الثابت .