اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا} (9)

قوله تعالى : { إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } الآية .

لما شرح فعله{[20233]} في حقِّ عباده{[20234]} المخلصين ، وهو الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وإيتاء التَّوراة لموسى - عليه السلام ، وما فعله في حقِّ العصاة ، وهو تسليطُ البلاء عليهم - كان ذلك تنبيهاً على أنَّ طاعة الله توجب كلَّ خيرٍ ، ومعصيته توجب كلَّ بلية ، ولا جرم أثنى على القرآن ، فقال تعالى : { إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } .

قوله تعالى : { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } : نعتٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي : للحالةِ ، أو للملَّة ، أو للطريقة قال الزمخشريُّ : " وأيّتما قدَّرتَ ؛ لمْ تَجِدْ مَعَ الإثباتِ ذَوْقَ البلاغة الذي تَجدهُ مع الحذفِ ؛ لِما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامةٍ تفقد مع إيضاحه " .

قال ابن الخطيب{[20235]} : وقولنا : هذا الشَّيء أقومُ من ذاك إنما يصح في شيئين اشتركا في معنى الاستقامة ، ثم كان حصول معنى الاستقامة في إحدى الصورتين ، أكثر وأكمل من حصوله في الصورة الثانية ، وهذا هنا محال ؛ فكان وصفه بأنه أقوم مجازاً ، إلا أن لفظ " أفْعَل " قد جاء بمعنى الفاعل ، كقولنا : " اللهُ أكْبَرُ " ، أو يحمل هذا اللفظ على الظاهر المتعارف ، ومثل هذه الكناية كثيرة الاستعمال في القرآن ؛ كقوله تعالى : { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ المؤمنون : 96 ] أي بالخصلة التي هي أحسنُ .

ومعنى " هِيَ أقْومُ " أي : إلى الطريقة التي هي أصوبُ .

وقيل : إلى الكلمة{[20236]} التي هي أعدلُ وهي شهادة أن لا إله إلا الله { وَيُبَشِّرُ } - يعني القرآن - { المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ } أي : بأنَّ لهم { أَجْراً كَبِيراً } وهو الجنَّة .


[20233]:في أ: فقتله.
[20234]:في أ: العباد.
[20235]:ينظر: الفخر الرازي 20/159.
[20236]:في أ: الحكمة.