السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا} (9)

ولما بين سبحانه وتعالى كتاب موسى عليه السلام الذي أنزل عليه فيما بين مصر وبيت المقدس في تلك المدّة المتطاولة وجعله هدى لبني إسرائيل صادق الوعد والوعيد بين تعالى كتاب محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه منه في سبب مسيره إليه في ذلك ، ووصفه بثلاثة أنواع من الصفات :

الأولى قوله تعالى : { إنّ هذا القرآن } أي : الجامع لكل حق والفارق بين كل ملتبس { يهدي للتي } أي : إلى الطريق التي { هي أقوم } أي : أصوب من كل طريق فقوله تعالى : { للتي هي أقوم } نعت لموصوف محذوف كما تقرّر ويصح أن يقدّر الملة والشريعة أي : يهدي إلى الملة والشريعة التي هي أقوم الملل والشرائع ومثل هذه الكناية كثيرة الاستعمال في القرآن كقوله تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن } [ المؤمنون ، 96 ] وقيل إلى الكلمة التي هي أعدل وهي شهادة أن لا إله إلا الله .

تنبيه : لفظ افعل قد جاء بمعنى الفاعل كقولنا الله أكبر أي : الله الكبير وكقولنا الأشج والناقص أعدلا بني مروان ، فأقوم يحتمل أن يكون كذلك وأن يبقى على ظاهره .

الصفة الثانية قوله تعالى : { ويبشر المؤمنين } أي : الراسخين في هذا الوصف ولهذا قيدهم بياناً لهم بقوله : { الذين } أي : يصدّقون إيمانهم بأنهم { يعملون } أي : على سبيل التجديد والاستمرار والبناء على العلم { الصالحات } من التقوى والإحسان { أنّ لهم أجراً كبيراً } هو الجنة والنظر إلى وجه الله تعالى . وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وسكون الباء الموحدة وضم الشين مخففة والباقون بضم الياء وفتح الباء الموحدة وكسر الشين مشدّدة . فإن قيل : قال هنا { أجراً كبيراً } وفي الكهف { أجراً حسناً } [ الكهف ، 2 ] أجيب : بوقوع ذلك لموافقة الفواصل قبل وبعد في كل منهما .