{ وما يذكرون } قرأ نافع ويعقوب " تذكرون " بالتاء والآخرون بالياء ، { إلا أن يشاء الله } قال مقاتل : إلا أن يشاء الله لهم الهدى . { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } أي أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر لمن اتقاه .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا ابن فنجويه ، حدثنا عمر بن الخطاب ، حدثنا عبد الله بن الفضل ، حدثنا هدية بن خالد ، حدثنا سهيل بن أبي حزم ، عن ثابت ، عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية : { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } قال : قال ربكم عز وجل : أنا أهل أن أتقى ولا يشرك بي غيري ، وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له " وسهيل هو ابن عبد الرحمن القطعي ، أخو حزم القطعي .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بما يدل على نفاذ مشيئته وإرادته فقال : { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة } .
أى : فمن شاء أن يذكر القرآن وما فيه من مواعظ ذكر ذلك ، ولكن هذا التذكر والاعتبار والاتعاظ . لا يتم بمجرد مشيئتكم ، وإنما يتم فى حال مشيئة الله - تعالى - وإرادته ، فهو - سبحانه - أهل التقوى ، أى : هو الحقيق بأن يتقى ويخاف عذابه ، وهو - عز وجل - " أهل المغفرة " أى : هو - وحده - صاحب المغفرة لذنوب عباده ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
فالمقصود من الآية الكريمة ، بيان أن هذا التذكر لمواعظ القرآن ، لا يتم إلا بعد إرادة الله - تعالى - ومشيئة ، لأنه هو الخالق لكل شئ ، وبيان أن مشيئة العباد لا أثر لها إلا إذا كانت موافقة لمشيئة الله ، التى لا يعلمها أحد سواه .
أخرج الإِمام أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجة عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة } فقال : قد قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معى إله ، فمن اتقانى فلم يجعل معى إلها آخر ، فأنا أهل أن أغفر له " .
{ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّه } كقوله { وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ } [ الإنسان : 30 ] .
وقوله : { هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } أي : هو أهل أن يُخاف منه ، وهو أهل أن يَغفر ذنب من تاب إليه وأناب . قاله قتادة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا زيد{[29532]} بن الحباب ، أخبرني سهيل - أخو حزم{[29533]} - حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } وقال : " قال ربكم : أنا أهل أن أتقى ، فلا يجعل معي إله ، فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان أهلا أن أغفر له " .
ورواه الترمذي ، وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب ، والنسائي من حديث المعافى بن عمران كلاهما عن سُهَيل بن عبد الله القطعي ، به{[29534]} وقال الترمذي : حسن غريب ، وسهيل ليس بالقوي . ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن هُدْبَة بن خالد ، عن سُهَيل ، به . وهكذا رواه أبو يعلى ، والبَزار ، والبَغَوي ، وغيرهم ، من حديث سُهَيل القُطَعي ، به . {[29535]}
آخر تفسير سوره " المدثر " ولله الحمد والمنة
[ وحسبنا الله ونعم الوكيل ]{[29536]}
وقوله : فَمَن شاءَ ذَكَرَه يقول تعالى ذكره : فمن شاء من عباد الله الذين ذكرهم الله بهذا القرآن ذكره ، فاتعظ فاستعمل ما فيه من أمر الله ونهيه وَما يَذْكُرُونَ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ يقول تعالى ذكره : وما يذكرون هذا القرآن فيتعظون به ، ويتسعملون ما فيه ، إلا أن يشاء الله أن يذكروه ، لأنه لا أحد يقدر على شيء إلا بأن يشاء الله يقدره عليه ، ويعطيه القدرة عليه .
وقوله : هُوَ أهْلُ التّقْوَى وأهْلُ المَغْفِرَةِ يقول تعالى ذكره : الله أهل أن يتقي عبادُه عقابهَ على معصيتهم إياه ، فيجتنبوا معاصيه ، ويُسارعوا إلى طاعته ، وأهل المغفرة يقول : هو أهل أن يغفر ذنوبهم إذا هم فعلوا ذلك ، ولا يعاقبهم عليها مع توبتهم منها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة هُوَ أهْلُ التّقْوَى وأهْلُ المَغْفِرَةِ ربنا محقوق أن تتقي محارمه ، وهو أهل المغفرة يغفر الذنوب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله هُوَ أهْلُ التّقْوَى وأهْلُ المَغْفِرَةِ قال : أهل أن تتقي محارمه ، وأهل المغفرة : أهل أن يغفر الذنوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.