اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا يَذۡكُرُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ} (56)

قوله : { وَمَا يَذْكُرُونَ } .

قرأ نافع{[58612]} : بالخطاب ، وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب والباقون : بالغيبة حملاً على ما تقدم من قوله : «كُل امرئ » ولم يُؤثِرُوا الالتفات .

وقراءة الخطاب ، وهي اختيار أبي حاتم لأنه أعم .

وأما قراءة الغيبة فهي اختبار أبي عبيد لقوله تعالى : { كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ } واتفقوا على تخفيفها .

قوله : { إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله } ، بمعنى إلاَّ وقت مشيئته ، لا أن ينوب عن الزمان ، بل على حذف مضاف .

قالت المعتزلة : بل معناه : إلا أن يقدرهم الله - تعالى - على الذِّكر ويُهمَّهم إليه .

وأجيبوا : بأنه تعالى أبقى الذكر مطلقاً ، واستثنى منه حال المشيئة المطلقة ، فيلزم أنه متى حصلت المشيئةُ أن يحصلَ الذِّكرُ مطلقاً ، فحيث لم يحصل الذكر علمنا أنه لم تحصُلِ المشيئة وتخصيص المشيئة بالمشيئة القهريَّة ترك للظاهر .

قوله تعالى : { هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة } ، أي : حقيقٌ بأن يتَّقيه عبادُه ويخَافُوا عِقابه فيُؤمِنوا ويُطِيعُوا ، وحقيقٌ بأن يغفر لهم ما سلف من كفرهم إذا آمنوا وأطاعوا .

روى الترمذي وابن ماجة عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى : { هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة } قال : قال الله تعالى : «أنَّا أهْلُ أنْ أُتَّقَى فَمَن اتَّقَى فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِي إلهاً فَأنَا أهْل أنْ أغْفِرَ لَهُ »{[58613]} .

وقال بعض المفسرين : أهل المغفرة لمن تاب إليه من الذنوب الكبائر ، وأهل المغفرة أيضاً للذنوب الصغائر .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن أبيِّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ { يا أيها المدثر } أعْطِيَ من الأجْرِ عَشْرَ حَسناتٍ بعَددِ من صَدَّقَ بمُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وكذَّبه ب " مكة " " {[1]} والله أعلم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[58612]:ينظر: إعراب القراءات 2/413، وحجة القراءات 435.
[58613]:أخرجه أحمد (3/142، 243) وابن ماجه (4299) والترمذي (3325) والدارمي (2/302، 303) والحاكم (2/508) ، وأبو يعلى (6/66) رقم (3317) من طرق عن سهيل بن أبي حزم عن ثابت عن أنس. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وسهيل ليس بالقوي في الحديث وقد تفرد سهيل بهذا الحديث عن ثابت. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.