تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا يَذۡكُرُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ} (56)

الآية 56 : وسيذكر معنى قوله : { وما يذكرون إلا أن يشاء الله } في سورة : { إذا الشمس كوّرت } [ بقوله : { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين }[ الآية : 29 ] ]{[8]} .

وقوله تعالى : { { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } فأهل التأويل صرفوا قوله تعالى : { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } إلى الله تعالى ، وجائز أن يصرف إلى البشر .

فإن كان المراد من قوله عز وجل : { هو أهل التقوى } البشر فيكون معنى قوله : { هو أهل التقوى } أي الذي يقوم بالذكر ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : { وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها } ؟ [ الفتح : 26 ] فجعل الذين ألزمهم كلمة التقوى من أهل التقوى .

وإن كان المراد من قوله عز وجل : { هو أهل التقوى } هو{[9]} الله سبحانه وتعالى فتأويله : { أنه أهل تقى ]{[10]} الزلة والعثرة في حقوقه تعالى .

والوجه فيه أن المرء في الشاهد إنما يتقي الزلة والعثرة إلى آخر لإحدى خصال ثلاث :

إحداها : لما يرى من افتقاره وحاجته إليه يتقي{[11]} العثرة تبجيلا وتعظيما .

[ والثانية ]{[12]} : لما يرى من قدرته وسلطانه على الانتقام منه[ يتقي زلته ]{[13]} .

[ والثالثة ]{[14]} : لكثرة نعمه وأياديه[ يتقي زلته ]{[15]} استحياء منه .

وإذا كانت هذه الأشياء ، هي الداعية إلى الاتقاء ، والخلائق بأجمعهم مفتقرون ومُحتاجون إلى الله تعالى ، وله القدرة والسلطان عليهم ، وهو المنعم على كل أحد ، فهو أهل أن يعظم ، ويوقر ، وأن تخاف نقمته ، ويستحيى منه . ومن اتقي صار أهلا لأن يغفر .

وجائز أن يكون معنى قوله عز وجل : { هو أهل التقوى } أي هو بأن يسأل عما{[16]} يتقى من النار لقوله{[17]} تعالى : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين }[ آل عمران : 131 ] وقوله{[18]} : { قوا أنفسكم وأهليكم نارا }[ التحريم : 6 ] .

ثم علمنا وجه الاتقاء بقوله : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }[ البقرة : 201 ] فبين أن الاتقاء أن يفرغ[ المرء ]{[19]} إلى الله تعالى ، ويتضرع إليه ، ليقيه{[20]} بفضله ورحمته ، وقال : { إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدوا }[ فاطر : 6 ] .

فأمرنا ، جل جلاله ، بالناصية مع الشيطان للمحاربة ، وأخبر أن محاربته أن نفزع إلى الله تعالى بالاستعاذة بقوله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله }[ الأعراف : 200 ] وقوله{[21]} تعالى في آية أخرى : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين }الآية[ المؤمنون : 97 ] .

فهو أهل أن يطلب منه ما يقي به ، وأهل أن يستعاذ به لدفع كيد العدو{ وأهل المغفرة } أي أهل أن يطلب منه المغفرة .

جعلنا الله تعالى من أهل التقوى والذين منّ عليهم بالمغفرة .

وقال بعضهم : { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } أي هو أهل أن يُتّقى منه ، وأهل أن يغفر لمن اتقاه . والله المستعان[ والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين ]{[22]} .


[8]:- في ط ع: الحق.
[9]:- في ط م: ليكون.
[10]:-في ط ع: نقصانا.
[11]:- في ط م: خاص.
[12]:- في النسخ الثلاث: يمكن.
[13]:- في ط م: التكبير.
[14]:- في ط ع: معه، ساقطة من الأصل.
[15]:- في ط م: المحبة والخلق.
[16]:- ساقطة من ط م.
[17]:- ساقطة من ط م.
[18]:- من ط م، في ط ع: الله ساقطة من الأصل.
[19]:- في ط م: أنه.
[20]:- من ط م، في الأصل: يجيء، في ط ع: يسمي.
[21]:- من ط ع.
[22]:- الواو ساقطة من الأصل و ط م.