نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا يَذۡكُرُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ} (56)

ولما كان هذا-{[70025]} ربما أوهم أن للعبد استقلالاً بالتصرف ، قال معلماً بأن هذا إنما هو كناية عما له من السهولة والحلاوة والعذوبة التي توجب عشقه لكل ذي لب منبهاً على ترك الإعجاب وإظهار الذل والالتجاء والافتقار إلى العزيز الغفار في طلب التوفيق لأقوم طريق : { وما يذكرون } أي و-{[70026]} لا واحد منكم هذا القرآن ولا غيره في وقت من الأوقات { إلا أن يشاء الله } أي-{[70027]} الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه ، وهو صريح في أن فعل العبد من المشيئة ، وما ينشأ عنها إنما هو-{[70028]} بمشيئة الله .

ولما {[70029]}ثبت أنه{[70030]} سبحانه الفعال لما يريد وأنه لا فعل لغيره بدون{[70031]} مشيئته ، وكان من المعلوم أن أكثر أفعال العباد{[70032]} مما لا يرضيه ، فلولا حلمه ما قدروا على ذلك ، وكان عفو القادر مستحسناً ، قال مبيناً لأنه أهل للرهبة و-{[70033]}الرغبة : { هو } أي وحده { أهل التقوى } أي أن يتقوه عباده ويحذروا غضبه بكل ما تصل قدرتهم إليه لما له من الجلال و-{[70034]} العظمة والقهر ، ويجوز أن يكون الضمير للمتقي { وأهل المغفرة * } أي لأن يطلب غفرانه للذنوب لا سيما إذا اتقاه المذنب لأن له الجمال{[70035]} واللطف وهو قادر ولا قدرة لغيره ولا ينفعه شيء ولا يضره شيء ، فهو الحقيق بأن يجعل موضع{[70036]} الإنذار الذي أمر{[70037]} به أول السورة البشارة ، ويوفق عباده لتكبيره وهجران الرجز ، وكذا فعل سبحانه بقوم هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، روى أحمد{[70038]} والترمذي{[70039]} والنسائي وابن ماجه{[70040]} والطبراني في الأوسط والحاكم{[70041]} وأبو يعلى والبغوي{[70042]} والبزار عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " {[70043]}أنه قرأ{[70044]} هذه الآية ثم قال : يقول الله : أنا أهل أن أتقي ، فمن اتقى أن يشرك بي غيري فأن أهل أن-{[70045]} أغفر له " وقال الترمذي وابن عدي والطبراني : تفرد به سهل بن أبي-{[70046]} حزم القطعي ، فقد رجع آخر السورة على أولها ، وانطبق مفصلها على موصلها ، بضم البشارة{[70047]} إلى النذارة ، وصار كأنه قيل : أنذر العاصي فإنه أهل لأن يرجع إلى طاعاته ، فيكون سبحانه أهلاً لأن يعود عليه بستر زلاته .

ختام السورة:

فقد رجع آخر السورة على أولها ، وانطبق مفصلها على موصلها ، بضم البشارة إلى النذارة ، وصار كأنه قيل : أنذر العاصي فإنه أهل لأن يرجع إلى طاعاته ، فيكون سبحانه أهلاً لأن يعود عليه بستر زلاته .


[70025]:زيد من ظ و م.
[70026]:زيد من ظ و م.
[70027]:زيد من ظ.
[70028]:زيد من ظ و م.
[70029]:من م، وفي الأصل: أثبت أنّ، وفي ظ: أثبت أنه.
[70030]:من م، وفي الأصل: أثبت أن، وفي ظ: أثبت أنه.
[70031]:زيد في الأصل: أمره و: ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70032]:من ظ و م، وفي الأصل: العبد.
[70033]:زيد من ظ و م.
[70034]:زيد من ظ و م.
[70035]:من ظ و م، وفي الأصل: الجلال.
[70036]:من ظ و م، وفي الأصل: مع.
[70037]:من ظ و م، وفي الأصل: أمره.
[70038]:راجع المسند 3/142و243.
[70039]:راجع الجامع-التفسير.
[70040]:راجع السنن-الزهد.
[70041]:راجع المستدرك 2/508.
[70042]:راجع المعالم 7/150.
[70043]:من ظ و م، وفي الأصل: إن فراره.
[70044]:من ظ و م، وفي الأصل: إن فراره.
[70045]:زيد من م.
[70046]:زيد من م.
[70047]:من ظ و م، وفي الأصل: الإشارة.