1- سميت هذه السورة في معظم المصاحف سورة " الليل " وفي بعض كتب التفسير سميت بسورة " والليل " ، وعنون لها الإمام البخاري بسورة " والليل إذا يغشى " ، وعدد آياتها إحدى وعشرون آية .
وجمهور العلماء على أنها مكية ، وقال بعضهم : هي مدنية ، وقال آخرون : بعضها مكي ، وبعضها مدني ، والحق أن هذه السورة من السور المكية الخالصة ، وكان نزولها بعد سورة " الأعلى " وقبل سورة " القمر " ، فهي تعتبر السورة التاسعة في النزول من بين السور المكية .
قال الإمام الشوكاني . وهي مكية عند الجمهور ، فعن ابن عباس قال : نزلت سورة " والليل إذا يغشى " بمكة . وأخرج ابن مردويه عن الزبير مثله . .
وفي رواية عن ابن عباس أنه قال : إني لأقول إن هذه السورة نزلت في السماحة والبخل . . ( {[1]} ) .
وحقا ما قاله ابن عباس –رضي الله عنهما- ، فإن السورة الكريمة ، قد احتوت على بيان شرف المؤمنين ، وفضائل أعمالهم ، ومذمة المشركين ، وسوء فعالهم ، وأنه –تعالى- قد أرسل رسوله للتذكير بالحق ولإنذار المخالفين عن أمره –تعالى- أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .
أقسم الله - سبحانه - فى افتتاح هذه السورة بثلاثة أشياء ، على أن أعمال الناس مختلفة .
أقسم - أولا - بالليل فقال : { والليل إِذَا يغشى } أى : وحق الليل إذا يغشى النهار ، فيغطى ضياءه ، ويذهب نوره ، ويتحول الكون معه من حالة إلى حالة ، إذ عند حلول الليل يسكن الخلق عن الحركة ، ويأوى كل إنسان أو حيوان أو مأواه ، ويستقبلون النوم الذى فيه ما فيه من الراحة لأبدانهم ، كما قال - تعالى - : { وَجَعَلْنَا الليل لِبَاساً . وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً }
تقدم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ : " فهلا صليت ب " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى " ؟ .
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة : أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق ، فصلى فيه ركعتين وقال : اللهم ، ارزقني جليسًا صالحًا . قال : فجلس إلى أبي الدرداء ، فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة . قال : كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } ؟ قال علقمة : " والذكر والأنثى " . فقال أبو الدرداء : لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال هؤلاء حتى شككوني . ثم قال : ثم ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره ، والذي أجير من الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ؟{[30152]} .
وقد رواه البخاري هاهنا ومسلم ، من طريق الأعمش ، عن إبراهيم قال : قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء ، فطلبهم فوجدهم ، فقال : أيكم يقرأ على قراءة عبد الله ؟ قالوا : كلنا ، قال : أيكم أحفظ ؟ فأشاروا إلى علقمة ، فقال : كيف سمعته يقرأ : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } ؟ قال : " والذكر والأنثى " . قال : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا ، وهؤلاء يريدوني أن أقرأ : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى } والله لا أتابعهم{[30153]} .
هذا لفظ البخاري : هكذا قرأ ذلك ابن مسعود ، وأبو الدرداء - ورفعه أبو الدرداء - وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو مُثبَت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى }
فأقسم تعالى ب { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } أي : إذا غَشيَ الخليقةَ بظلامه ،
{ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } أي : بضيائه وإشراقه ، { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى } كقوله : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } [ النبأ : 8 ] ، وكقوله : { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ الذاريات : 49 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْلّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ * وَالنّهَارِ إِذَا تَجَلّىَ * وَمَا خَلَقَ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ * إِنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّىَ * فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ * وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ * وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ * وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ } .
يقول تعالى ذكره مُقسِما بالليل إذا غَشّى النهار بظلمته ، فأذهب ضوءه ، وجاءت ظُلمته : واللّيْلِ إذَا يَغْشَى النهار والنّهارِ إذا تَجَلّى وهذا أيضا قسم ، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار ، وظهر للأبصار ، ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإيتانه إياها عيانا . وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعِظَم شأنه عنده ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارِ إذَا تَجَلّى قال : آيتان عظيمتان يكوّرهما الله على الخلائق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.