الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة { والليل إذا يغشى } بمكة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

وأخرج البيهقي في سننه عن جابر بن سمرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر ب { والليل إذا يغشى } ونحوها .

وأخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس : «أن رجلاً كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال ، فكان الرجل إذا جاء فدخل الدار فصعد إلى النخلة ليأخذ منها الثمرة فربما تقع ثمرة فيأخذها صبيان الفقير ، فينزل من نخلته ، فيأخذ الثمرة من أيديهم ، وإن وجدها في فم أحدهم أدخل أصبعه حتى يخرج الثمرة من فيه ، فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اذهب ولقي النبي صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة . فقال له : أعطني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ، ولك بها نخلة في الجنة . فقال له الرجل : لقد أعطيت وإن لي لنخلاً كثيراً وما فيه نخل أعجب إلي ثمرة منها . ثم ذهب الرجل ولقي رجلاً كان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب النخلة ، فأتى رسول الله : فقال أعطني ما أعطيت الرجل إن أنا أخذتها . قال : نعم ، فذهب الرجل فلقي صاحب النخلة ولكليهما نخل فقال له صاحب النخلة : أشعرت أن محمداً أعطاني بنخلتي المائلة إلى دار فلان نخلة في الجنة ، فقلت : لقد أعطيت ، ولكن يعجبني ثمرها ، ولي نخل كثير ما فيه نخلة أعجب إليّ ثمرة منها ، فقال له الآخر : أتريد بيعها ؟ فقال : لا إلا أن أعطي بها ما أريد ، ولا أظن أعطى . قال : فكم تؤمل فيها ؟ قال : أربعين نخلة ، فقال له الرجل : لقد جئت بأمر عظيم تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة . ثم سكت عنه فقال : أنا أعطيك أربعين نخلة فقال له : أشهد إن كنت صادقاً . فأشهد له بأربعين نخلة بنخلته المائلة ، فمكث ساعة ثم قال : ليس بيني وبينك بيع لم نفترق . فقال له الرجل : ولست بأحق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة . فقال له : أعطيك على أن تعطيني كما أريد تعطينيها على ساق . فسكت عنه ثم قال : هي لك على ساق . قال : ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله إن النخلة قد صارت لي فهي لك . فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدار فقال : النخلة لك ولعيالك . فأنزل الله { والليل إذا يغشى } » إلى آخر السورة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : إني لأقول هذه السورة نزلت في السماحة والبخل { والليل إذا يغشى } .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { والليل إذا يغشى } قال : إذا أظلم .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { والليل إذا يغشى } قال : إذا أقبل فغطى كل شيء .

وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة . قال : كيف سمعت عبد الله يقرأ { والليل إذا يغشى } قال : علقمة : «والذكر والأنثى » فقال أبو الدرداء : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا . وهؤلاء يريدوني على أني أقرؤها : «خلق الذكر والأنثى » والله لا أتابعهم .

وأخرج البخاري في تاريخ بغداد من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت إلا ثمانية عشر حرفاً أخذها من قراءة عبد الله بن مسعود وقال ابن عباس ما يسرني أني تركت هذه الحروف ولو ملئت لي الدنيا ذهبة حمراء منها حرف في البقرة : «من بقلها وقثائها وثومها » . بالثاء وفي الأعراف : «فلنسألن الذين أرسل إليهم قبلك من رسلنا ولنسألن المرسلين » وفي براءة «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين » . وفي إبراهيم : «وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال » وفي الأنبياء : «وكنا لحكمهم شاهدين » ، وفيها : «وهم من كل جدث ينسلون » وفي الحج «يأتون من كل فج سحيق » وفي الشعراء : «فعلتها إذاً وأنا من الجاهلين » ، وفي النمل : «اعبد رب هذه البلدة التي حرمها » وفي الصافات : «فلما سلما وتله للجبين » وفي الفتح : «وتعزروه وتوقروه وتسبحوه » بالتاء وفي النجم : «ولقد جاء من ربكم الهدى » وفيها : «إن تتبعون إلا الظن » وفي الحديد : «لكي يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء » وفي ن : «لولا أن تداركته نعمة من ربه » على التأنيث وفي إذا الشمس كوّرت : «وإذا الموءودة سألت بأي ذنب قتلت » وفيها : «وما هو على الغيب بضنين » وفي الليل : «والذكر والأنثى » قال : هو قسم فلا تقطعوه .

وأخرج ابن جرير عن أبي إسحاق قال ؛ في قراءة عبد الله : «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى » .