معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} (28)

قوله تعالى :{ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء } يعني : الملائكة ، { وما كنا منزلين } وما كنا نفعل هذا ، بل الأمر في إهلاكهم كان أيسر مما يظنون . وقيل : معناه ( ( وما أنزلنا على قومه من بعده ) ) أي : على قوم حبيب النجار من بعد قتله من جند ، وما كنا منزلين ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم ، كالطوفان والصاعقة والريح .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} (28)

ثم بين - سبحانه - ما نزل بأصحاب القرية من عذاب أهلكهم فقال : { وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } أى : من بعده موته .

{ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء } ؛ لأنهم كانوا أحقر وأهون من أن نفعل معهم ذلك .

{ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أى : وما صح وما استقام فى حكمتنا أن ننزل عليهم جندا من السماء ، لهوان شأنهم ، وهوان قدرهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} (28)

هذا كان جزاء الإيمان . فأما الطغيان فكان أهون على الله من أن يرسل عليه الملائكة لتدمره . فهو ضعيف ضعيف :

( وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء . وما كنا منزلين . إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} (28)

وقوله : { وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ } : يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه ، غضبًا منه تعالى عليهم ؛ لأنهم كذبوا رسله ، وقتلوا وليه . ويذكر تعالى : أنه ما أنزل عليهم ، وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم ، بل الأمر كان أيسر من ذلك . قاله ابن مسعود ، فيما رواه ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عنه أنه قال في قوله : { وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ } أي : ما كاثرناهم بالجموع الأمر كان أيسر علينا من ذلك ، { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } قال : فأهلك الله ذلك الملك ، وأهلك أهل أنطاكية ، فبادوا عن وجه الأرض ، فلم يبق{[24724]} منهم باقية .

وقيل : { وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ } أي : وما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم ، بل نبعث عليهم عذابًا يدمرهم .

وقيل : المعنى في قوله : { وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ } أي : من رسالة أخرى إليهم . قاله مجاهد وقتادة . قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ، { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } .

قال ابن جرير : والأول أصح ؛ لأن الرسالة لا تسمى جندًا .

قال المفسرون : بعث الله إليهم جبريل ، عليه السلام ، فأخذ بعضادتي باب بلدهم ، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون عن آخرهم ، لم يبق فيهم روح تتردد في جسد .

وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية ، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند المسيح عليه السلام ، كما نص عليه قتادة وغيره ، وهو الذي لم يذكر عن{[24725]} واحد من متأخري المفسرين غيره ، وفي ذلك نظر من وجوه :

أحدها : أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله ، عز وجل ، لا من جهة المسيح ، كما قال تعالى : { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } إلى أن قالوا : { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } [ يس : 14 - 17 ] . ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح ، عليه السلام ، والله أعلم . ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم : { مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا } [ يس : 15 ] .

الثاني : أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم ، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح ؛ ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتَاركة ، وهن القدس لأنها بلد المسيح ، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها ، والإسكندرية لأن فيها{[24726]} اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة{[24727]} والشمامسة والرهابين . ثم رومية لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأطَّدَه . ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البترك من رومية إليها ، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين ، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت ، فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله{[24728]} ، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم{[24729]} ، فالله أعلم .

الثالث : أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة ، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف : أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم ، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين ، ذكروه عند قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى } [ القصص : 43 ] . فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن [ العظيم ]{[24730]} قرية أخرى غير أنطاكية ، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا . أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة ، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك ، والله ، سبحانه وتعالى ، أعلم .

فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق التُّسْتري ، حدثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني ، حدثنا حُسَين الأشقر ، حدثنا ابن عُيَيْنة ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن{[24731]} ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السُّبَّق ثلاثة : فالسابق إلى موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى صاحب يس ، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب " ، {[24732]} فإنه حديث منكر ، لا يعرف إلا من طريق{[24733]} حسين الأشقر ، وهو شيعي متروك ، [ والله أعلم ] . {[24734]}


[24724]:- في س : "تبق".
[24725]:- في أ : "غير"
[24726]:- في ت، س : "منها".
[24727]:- في ت، س : "القساقسة".
[24728]:- في ت : "رسلهم".
[24729]:- في ت، س : "أخذتهم".
[24730]:- زيادة من ت.
[24731]:- في ت : "رواه الحافظ الطبراني بإسناده إلى".
[24732]:- المعجم الكبير (11/93) ورواه ابن مردويه في تفسيره، والعقيلي في الضعفاء كما في تخريج الكشاف للزيلعي (3/162) من طريق حسين الأشقر، به، وأعله العقيلي بحسين الأشعري كما ذكر الحافظ ابن كثير هنا وقال : "إنه شيعي متروك ولا يعرف هذا إلا من جهته، وهو حديث منكر".
[24733]:- في أ : "حديث".
[24734]:- زيادة من ت، س.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} (28)

هذه مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فيها توعد لقريش ، إذ هذا هو المروع لهم من المثال ، أي ينزل بهم من عذاب الله ما نزل بقوم حبيب النجار ، فنفى عز وجل ، أي أنه ما أنزل على قوم هذا الرجل { من جند من السماء } ، فقال مجاهد : أراد أنه لم يرسل رسولاً ولا استعتبهم ، قال ابن مسعود : أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند من جنود الله تعالى كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك ، بل كانت صيحة واحدة لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك ، قال قتادة : والله ما عاتب الله تعالى قومه بعد قتله حتى أهلكهم ، واختلف المتأولون في قوله { وما كنا منزلين } ، فقالت فرقة { ما كنا منزلين } ، { ما } نافية وهذا يجري مع التأويل الثاني في قوله ، { ما أنزلنا من جند } ، وقالت فرقة { وما } عطف على { جند } أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم قبل ذلك{[9789]} .


[9789]:نقل أبو حيان هذا التقرير في (البحر المحيط)، ثم علق عليه بقوله:"وهو تقدير لا يصح؛ لأن[من] في {من جند} زائدة، ومذهب البصريين- غير الأخفش- أن لزيادتها شرطين: أحدهما ان يكون قبلها نفي أو نهي أو استفهام، والثاني أن يكون بعدها نكرة، وإن كان كذلك فلا يجوز أن يعطف معرفة على النكرة، ولا يجوز مثلا: ما ضربت من رجل ولا زيد، ولا يجوز: ولا من زيد، وهو –يعني ابن عطية- قدر المعطوف بـ(الذي)، وهو معرفة، فلا يصح أن يعطف على النكرة المجرورة بمن الزائدة".