قوله ( تعالى ){[45978]} : { وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء } لما تمنى أن يعلم قومه أن الله غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل{[45979]} حبيب غضب الله وعجل لهم النَّقْمة وأمر جبريل - عليه الصلاة والسلام- فصاح بهم صيحةً واحدةً فماتوا عن آخرهم فذلك قوله : { وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء } يعني الملائكة .
قوله : { وما كنا منزلين } في { ما } هذه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها نافية{[45980]} كالتي قبلها فتكون الجملة الثانية جارية مَجْرى التأكيد للأولَى .
والثاني : أنها مزيدة{[45981]} قال أبو البقاء : أي وقد كنا منزلين . وهذا لا يجوز البتة لفساده لفظاً ومعنى{[45982]} .
الثالث : أنها اسم معطوف على { جُنْدٍ }{[45983]} قال ابن عطية : أي : من جند من الذين كُنَّا مُنْزِلينَ{[45984]} وردّه أبو حيان{[45985]} بأن { مِنْ } مزيدة ، وهذا التقدير يؤدي إلى زيادتها في الموجب جارة لمعرفة ومذهب البصريين غير الأخفش أن يكون الكلام غير موجب وأن يكون المجرور نكرة ، قال شهاب الدين : فالذي ينبغي عند من يقول بذلك أن{[45986]} يقدرها بنكرة أي : ومن عذاب كُنَّا مُنْزليه ، والجملة بعضها صفة لها . وأما قوله :إن هذا التقدير يؤدي إلى زيادتها في الموجب فليس بصحيح البتة وتعجَّبْتُ كَيْفَ يَلْزُم ذَلِكَ{[45987]} ؟ ! .
قال ههنا { وما أنزلنا } بإسناد الفعل إلى النفس ، وقال في بيان حال المؤمن : { قِيلَ ادْخُل الجَنَّة } بإسناد القول إلى غير مذكور ؛لأن العذاب من الهيئة{[45988]} فقال بلفظ التعظيم . وأما إدخال الجنة فقال : قيل : ليكون كالمهنأ{[45989]} بقول الملائكة وبقول كل صالح يراه ادخل الجنة خالداً كالتهنئة له ، وكثيراً ما ورد في القرآن قوله تعالى : { وقيل ادخلوا }إشارة إلى أن الدخول يكون دخولاً بإكْرَامِ . فإن قيل : لم أضاف القوم إليه مع أن الرسل أولى بكون الجمع قوماً لهم ؛ لأن الرسول لكونه مرسلاً يكون جميع الخلق أو جميع من أرسل إليهم قوماً لهم ؟ .
فالجواب : تبيين{[45990]} الفرق بينه وبينهم ؛ لأنهما من قبيلة واحدة وأيضاً فالعذاب كان مختصاً بهم أكرم أحدهما غاية الإكرام بسبب{[45991]} الإيمان ، وأُهين الآخر غاية الإهانة بسبب الكفر ونسبهما من قبلية واحدة{[45992]} . وأيضاً فالعذاب كان مختصاً بهم وهم أقاربه ؛ لأن غيرهم من قوم الرسل آمنوا بهم فلم يُصِبْهُم العذاب .
فإن قيل : لم خصص عدم الإنزال بما بعده والله تعالى لم ينزل عليهم جنداً قبله أيضاً فما فائدة التخصيص ؟ .
فالجواب : أن استحقاقهم العذاب كان بعده حيث أصروا واستكبروا فبين حال الإهلاك .
فإن قيل : قال :{ من السماء } وهو تعالى لم ينزل عليهم ولا أرسل إليهم جنداً من الأرض فما فائدة التقييد ؟ .
أحدهما : أن يكون المراد ما أنزل عليهم جنداً بأمر من السماء فتكون للعموم .
والثاني : أن العذاب نزل عليهم من السماء فبين أن النازل لم يكن جنداً وإنما كان بصيحة أخذتهم وخربت ديارهم .
فإن قيل : أي فائدة في قوله : { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } مع قوله : { وَمَآ أَنزَلْنَا } وهو يستلزم أن لا يكون من المنزلين ؟ .
فالجواب : أن قوله : { وما كنا } أي : ما كان ينبغي أن ينزل{[45993]} ؛لأن الأمر كان يتم بدون ذلك والمعنى وما أنزلنا وما كنا محتاجين إلى الإنزال أو وما أنزلنا وما كنا منزلين في مثل تلك الواقعة جنداً في غير تلك الواقعة أي وما أنزلنا على قومه من بعده أي على قوم حبيب من بعد قتله{[45994]} من جنده{[45995]} وما كنا منزلين ما ننزله على الأمم إذا أهلكناهم كالطُّوفَانِ والصَّاعِقَةِ والرِّيح .
فإن قيل : فكيف أنزل الله جنوداً في يوم «بدر » وفي غير ذلك حيث قال تعالى : { رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } [ الأحزاب : 9 ] .
فالجواب : أن ذلك تعظيماً لمحمد - عليه ( الصلاة والسلام ) وإلاَّ لكان تحريك رِيشَةٍ من جَنَاح ملكٍ كافياً في استئصالهم ولم تكن رسل ( عيسى ){[45996]} -عليه الصلاة والسلام- في درجة محمد -عليه السلام{[45997]}- ثم بين الله تعالى عقوبتهم فقال : { إنْ كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً واحَدِةً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.