تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} (28)

تعذيب مكذّبي الرسل

بسم الله الرحمن الرحيم

{ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ( 28 ) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ( 29 ) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 30 ) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ( 31 ) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ( 32 ) }

التفسير :

28 { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ } .

أفادت الآيات السابقة أن أصحاب القرية قد اعتدوا على هذا الرجل المؤمن ، الذي جاء يسعى من آخر المدينة لنصرة المرسلين ، وقدم لقومه أدلة عقلية ليؤمنوا بالله ، لكنهم كذبوا هذا الداعية وقتلوه ، فأدخله الله الجنة ، وتمنى لقومه الهداية والإيمان ، وهنا يخبر القرآن الكريم أن الله لم يعتب على قوم هذا المؤمن ، ولم ينزل عليهم وحيّا بعد ذلك ، فقد أرسل إليهم الرسل ، وأنزل الوحي على هؤلاء الرسل ، فكذَّبهم أصحاب القرية ، وقتلوا الرجل المؤمن الذي أخلص لهم النصيحة ، وكان في هذا ما يكفي من البلاغ والإنذار ، فلم ينزل عليهم من السماء وحي ولا عتاب ، بل نزل العذاب والهلاك .

ويفيد بعض المفسرين : أن الكفار كانوا يستغربون أن يكون الرسول بشرا ، ويقولون : { لولا أنزل إليه ملك . . . }[ الفرقان : 7 ] .

فأفاد القرآن أنه لم ينزل ملك كما طلب المشركون ، وما ينبغي أن يكون الرسول ملكا ، بل الحكمة تقتضي أن يكون الرسول إلى البشر بشرا مثلهم .

وقال بعض المفسرين : ما أنزلنا لعذابهم جنود السماء ، كما حدث في غزوتي بدر وحنين مع محمد صلى الله عليه وسلم ، بل كانوا أهون من ذلك ، حيث أخذتهم صيحة ، خرجت معها أرواحهم ، فأصبحوا جثثا هامدة ، والله تعالى له حكمة في إهلاك بعض الناس بالصيحة ، أو الخسف ، أو الغرق ، أو غير ذلك

قال تعالى : { فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( 40 ) } [ العنكبوت : 40 ] .

قال ابن كثير في تفسير الآية :

{ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ } .

يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه ، غضبّا منه تعالى عليهم ، لأنهم كذّبوا رسله ، وقتلوا وليّه ، ويذكر عز وجل أنه ما أنزل عليهم جندا من السماء ، وما احتاج في إهلاكهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم ، بل الأمر كان أيسر من ذلك .

قال ابن مسعود : ما كاثرناهم بالجموع ، الأمر كان أيسر علينا من ذلك .

{ إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } .

فأهلك الله تعالى ذلك الملك ، وأهلك أهل أنطاكية فبادوا على وجه الأرض ، فلم يبق منهم باقية .

وقيل :

{ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ . . . }

أي : من رسالة أخرى إليهم ، قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله 11 .